للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أَحَبُّ النَّاسِ إليهِ: كَرَامتُهُ إخْرَاجُه، فأصَابَهُ من جميع ما مَلَكَهُ أكْفَانُه، وما حَوَتْه من الطِّيْب أجْفَانُه، وشَيَّعَهُ الأمَاثِلُ إلى أنْ أَوْدَعُوهُ لَحْدَهُ، وخَلَّفُوهُ مُفْرَدًا وحده، فعَاين هُنالكَ أحْوَالَهُ، فإذا كُلّ ما هو فيه عليهِ لا له، فرَحِمَ اللهُ امْرأً سَمعَ فوَعَى، وكان بما يَسْمَعُه مُنْتَفعًا قَبْل فَوْت الإمْكَان، واشْتِمالِ النَّدَامَة، على ما أسْلَفَهُ من عَملهِ ورآه قُدَّامَه.

ومن خُطْبَةٍ أُخرى: أيُّها النَّاسُ، ما للقُلُوب حَائدة عن سُبُل الخشُوع، وما للأبْصَار جَامِدةٌ عن فيضِ الدُّمُوع، وما للأنْصارِ (a) قد أهْلكَها طُول الهُجُوع، أتحققتم النَّجَاة في المآب، أم تَيَقَّنْتُم الأمَانَ في مَعَادِكُم من العِقَاب، أم رَضِيْتم بأعمَالكم لمُسَائلة رَبّ الأرْبَاب، أم عدَلْتُم على بَصِيْرة عن نَهْج السَّبِيْل، أم رَضِيْتُم بالحَيَاةِ الدُّنْيا من الآخرة، وما {مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} (١).

ومن أُخْرى: أيُّها النَّاسُ، إنَّ بَقَاءكم في هذه الدُّنْيا الفَانيِة قَطع مَسَافَة إلى أخرى، واشْتِغَالكُم بجَمْع حُطَامِهَا إقْدَامٌ على مُرَافَصَةِ الرَّدَى، وإهْمَالكُم طَاعَة رَبِّكم من يَوْمكم أمانٌ ممَّا يَحْدُث غَدًا، كأنَّكُم لا تَعْلُونَ أنَّ أرْوَاحكُم لدَعْوَة الحِمَام صَدَى، أم تَجْهلُونَ أنَّ المَوْتَ يبقِي منكم أحدًا.

أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بنُ الحَسَن الكِنْدِيّ، عن أبي الحَسَن عليّ بن عَبْد الله بن أبي جَرَادَة، قال: أنْشَدَني القَاضِي أبو الفَضْل هِبَة الله بن أحْمَد بن يَحْيَى بن أبي جَرَادَة لنفسِه من أبياتٍ كَتَبَها إلى الخَطِيب أبي تُرَاب حَيْدَرة بن أبي أسامَة: [من الكامل]

يا أَوْحَدَ الخُطَبَاءِ غَيْرَ مُنَازَعٍ … وجَمَالَ مِنْبَرِهِ وعَالَمَ عَصْرِهِ


(a) كذا في الأصل، وفوقها: "صـ".

<<  <  ج: ص:  >  >>