وسَعَى أبو أيُّوب المُورِيَانيّ بخَالِد إلى أبي جَعْفَر، فقال له: قد اقْتَطَع خَالِد من خَرَاجكَ ثلاثة آلاف ألف دِرْهَم، ووَصَل بها النَّاس، فأغْضَبَهُ عليه، فصَرَفَ خَالِدًا عن فَارِس.
فلمَّا قَدِمَ عليه، ألْزَمه بعض ذلك المال، فدَعَا به بعدَ أنْ باعَ في أداءِ ذلك المال الدَّوَابّ والرَّقِيْق والمَتَاع، فلمَّا دَخَلَ عليه، قال: أخذتَ مالي، واجْتَرأتَ عليَّ، وفرَّقْتَهُ في النَّاسِ! فقال له خَالِد: كُلّ ما قال أَمِير المُؤمنِيْن فقد صَدَق، غير أنِّي يا أَمير المُؤْمنِيْن اقْتَصَرْتُ على أرْزَاقي ونَظَرْتُ إلى مَعُونَتي من أَمِير المؤمنِيْن، وما تَفَضَّل به عليَّ فصَرَفتهُ إلى أشْرَاف النَّاسِ، وتفَضَّلْتُ به عليهم لأنَّهُ لَم يكُن شُكْري يُحِيْط بنعَم أَمِير المُؤْمنِيْن عليَّ، فجَمَعْتُ إلى شُكْري شُكْر هؤلاءَ، وذلك كُلّه لأَمِير المُؤْمنِيْن إذ جَعَل السَّبِيْل إليهِ، وأَعانَني عليه. فسَرَّهُ ذلك، قال: صَدَقْتَ وأحْسَنْتَ، أقَرَّ اللّهُ عَيْنَكَ يا خَالِد، قد زَيَّنْتَنا، وزَيَّنْتَ نَفْسَكَ لنا، فأنتَ في حلٍّ ممَّا جَرَى على يَدِك من أمْوَالنا، وقد رَضِيتُ عنكَ، وعَظُم في عَيْنهِ بعد ذلك.
قال ابنُ الأزْرَق: وذَكَر عليّ بن الفَرَج، وكان الفَرَج أبوه لأبي أَيُّوب، ثمّ صار لأبي جَعْفَر، قال: لم يكن أبو أيُّوب يأمَنُ ناحيةَ خَالِد بن بَرْمَك وأنْ يَرُدَّه أبو جَعْفَر إلى كتابتهِ ودِيْوَان الخَرَاج، فكان يَحْتال عليه، وكان ممَّا احْتَال به أنْ دَسَّ إلى بعضِ الجَهَابِذَة مَالًا عَظيْمًا وقال له: إذا سَألَكَ أَمير المُؤْمنِيْن على هذا المالِ فقُل له: إنَّهُ اسْتَوْدَعَنيْه خَالِد بن بَرْمَك، قال: ثُمَّ دَسَّ مَنْ رَفَعَ إلى أبي جَعْفَر في ذلك. قال: فدَعَا أَبو جَعْفَر بالنَّصْرانِيّ فسَألَهُ فقال: نَعَم؛ عندي مَالٌ لخَالِد بن بَرْمَك اسْتَوْدَعَنِيْهِ، قال: فبَعَثَ أبو جَعْفَر إِلى خَالِدٍ فأحْضرهُ، وسَألَهُ عن ذلك المالِ، فحَلَفَ أنَّهُ لم يَجْمَع مَالًا قَطُّ، ولا ذَخَرهُ، ولا رَأى النَّصْرانِيّ قَطّ، ولا عَرِفَهُ، ثُمَّ قال: يا أَمِير المُؤْمنِيْن، تُرْسِل إلى الجَهْبَذِ، وأكُون في مَوضِعي حيثُ يَرَانيّ، فإنْ عَرَفني فقد صَدَق عليَّ، وإنْ لم يَعرفني فقد أظْهَرَ اللّه بَرَاءتي.