قال: وحَدَّثني إسْحاقُ بن إبْراهيم، عن هَارُون بن ديزُوَيْه، قال: دَخَلَ خَالِد يَوْمًا على أبي العبَّاسِ فقال له: يا ابن بَرْمَكٍ، أمَا رَضِيْتَ حتَّى اسْتَعْبَدْتني؟! قال: ففَزِعَ خَالِدٌ لذلك، قال: وكيفَ يا أَمِير المُؤْمنِيْن؟ بل أنا عَبْدُك! فضَحِكَ أبو العبَّاسِ، وقال: رَيْطَةُ بنتُ أَمِير المُؤْمنِيْن وأُمّ يَحْيَى بنتُ خَالِدٍ تَبِيْتَان في فراشٍ واحدٍ، فاتَعَارُّ من اللَّيْل فأجِدُهما قد تَكَشَّفَتا، فأَمُدّ اللّحافَ عليهما، قال: فقَبَّل يَدَهُ وتَشَكَّر ذلك له.
قال ابنُ الأزْرَق: وقال له أبو العبَّاسِ يَوْمًا، وخَرَجَ على النَّاسِ، وأحَبَّ أنْ يُعَرِّفهم مكانَهُ منه: يا خَالِد، ما أحَدٌ أخَصُّ بأَمِير المُؤْمنِيْن منْكَ، أنت معي، وأهْلُكَ مع أهْلي، وولدُكَ مع وَلدِي، فشَكَرَهُ ودَعَا له.
قال: فلم يَزَل خَالِد مع أبي العبَّاس أمِير المُؤْمنِيْن على تلك الحالِ حتَّى مَضَى أَمِير المُؤْمنِيْن أبو العبَّاسِ.
قال: واسْتُخْلِفَ المنصُور، فأقرَّ خَالِدًا على حَالهِ ومَرْتَبته وعلى دِيْوَان الخَرَاج، وكان به مُعْجبًا، فمكُثَ بذلكَ عدَّة سنين، ثمّ غَلَب عليه أبو أَيَّوبَ المُورِيَانيّ، فثَقُل على أبي أيُوب مكانُ خَالِد، وأحبَّ أنْ يَخْلُو بأبي جَعْفَر، فكان لا يألُو ما حمَّل أبا جعْفَرٍ عليه إلى أنْ أتَيْهم انْتقاض فَارِس وغَلَبة الأكْرَاد عليها، فأعْظَم أبو جعْفَر ذلك، وأمر أبا أَيُّوب بارْتِيادِ رَجُلٍ يَصْلح لها، فقال: قد أصَبْتُه يا أَمِير المُؤْمنِيْن، قال: ومَنْ هو؟ قال: خَالِد بن بَرْمَك، قال: صَدَقتَ هو لها، فعَقَدَ على فَارِس، فشَخَصَ إليها فافْتَتَحَها، وجَلَا الأكْرَاد عنها.
وصَلحَتْ فَارس على يدي خَالِد، وأقام بها سنين، ودَخَلَ إليهِ وُجُوه النَّاس وأشْرَافهم من الأمْصَارِ وامْتَدَحَهُ الشُّعَراء، فوَلَهُم وحَبَاهم، وصَرَفَهُم رَاضِين، فحَمدُوه في سَائر الأمْصَار، وشَاعَ ذِكْره بالسَّمَاحَة.