قال: ولمَّا صارَ الدِّيْوَانان إلى خَالِد بن بَرْمَك حَسُن فيهما مَذْهَبُه وكَثُر حَامِدهُ، وعلى يَدَيهِ جَرَت قَطِيْعَةُ العَكِّيّ وقَطِيْعَةُ أبي حُمَيْد وقَطَائع كَثِيْرة غير ذلك.
قال: وكانت الدَّفَاِتِر في دِيْوَان الجُنْد صُحُفًا مُدْرَجةً، فجَعَلَها خَالِدُ بن بَرْمَكٍ دَفَاِتِر، فهو أوَّلُ مَنْ فَعَل ذلك، وأوَّلُ مَنْ جَعَل دِيْوَان الجُنْد على ما هو عليه اليَوْم.
قال: وحَسُنَ حَالُ خَالِد بن بَرْمَك عند أبي العبَّاسِ، وجَلَّ قَدْرُه عندَهُ، ووضَعَهُ في مَوضع المشُاوَرة في الأُمُور، وحَلَّ مَحَلَّ الوَزِير.
أخْبَرَنا أبو رَوْح عَبْد المُعِزّ بن مُحَمَّد الهَرَويّ في كتابهِ، عن زَاهِر بن طَاهِر الشّحَّامِيِّ، قال: أنبأنَا أبو القَاسِم البُنْدَار، عن أبي أحْمَد القارئ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الصُّوْلِيّ إجَازَةً: أنَّ الإمَام أبا العبَّاس السَّفَّاح لمَّا اسْتُخْلِفَ أُدْخِل عليه خَالِدُ بن بَرْمَك فبايعَهُ، وتكلَّم فأعْجَبَتْهُ فَصَاحَتُه، فظَنَّهُ من العَرَب، قال: مَمَّن الرّجُل؟ قال: مَوْلاك يا أَمِير المُؤْمنِيْن، قال: فَمن أنْتَ يَرحمكَ الله؟ قال: من العَجَم، أنا خَالِدُ بن بَرْمَك، وأبي وأهْلي في مُوَالاتِكُم، والجِهاد عنكُم، كما قال الكُمَيْت (١): [من الطويل]
فما لي إلّا آلَ أحْمَدَ شِيْعَةٌ … وما لي إلَّا مَشْعَبَ الحَقِّ مَشْعَبُ
فأُعْجِبَ به أبو العبَّاس، وجَعَلَهُ بعد ذلك خَلِيفَة لأبي الجَهْم عَبْد الله بن عَطِيَّة بن عَبْد الله بن كَيْسَان على دِيْوَان الخَرَاج ودِيْوَان الجُنْد، فَحَسُنَ أثرُه، وما زَالت الحالُ تَتَرامى بهِ إلى أنْ صار وَزيرًا.
عُدْنا إلى ما ذَكرهُ ابن الأزْرَق، قال: ودَفَع أبو العبّاسِ إلى خَالِد بن بَرْمَك ابْنَتَهُ رَيْطَة بنت أبي العبَّاس فأرْضَعَتها زَوْجةُ خَالِد وربَّتها، وأرْضَعَت أُمّ سَلَمَة زوْج أبي العبَّاسِ أَمِير المؤمنِيْن أُمَّ يَحْيَى بنت خَالِد بلِبَانِ ابْنَتها رَيْطَة.