قال ابنُ الأزْرَق: فَحدَثَني أبو يَحْيَى الخلِيل الشِّيْعِيُّ، قال: قَدِمَ عَبْد المَلِك بن يَزِيْد وخَالِد بن بَرْمَك على الإمَام، فقال لعَبْد المَلِك: نِعْم العَوْن أنتَ لنا، فأنْتَ أبو عَوْن، وأنتَ يا خَالِد، فإنَّكَ سَتَصِيْرُ وَزِيرًا لوَلدِ العبَّاسِ، فأنتَ أبو العبَّاسِ، فهو الّذي كنَّاهمُا.
قال: فإن خَالِد بن بَرْمَك يختلفُ فيما بين جُرْجَان وطَبَرِسْتان والرَّيّ وتيْكَ النَّواحِي، فيدعُو لبني هاشِم، ويُظْهرُ أنَّ اخْتِلَافَهُ في التِّجَارَةِ، فيَجْلبُ معهُ الدَّوَابّ والرَّقِيْق إلى تلك الكُور، على خَوْفٍ شَديدٍ، ومُخَاطَرةٍ عَظِيمَة، لَم يكُن يَظنُّ بأحدٍ هذا الرآي فَضْلًا عن الدُّعَاءِ إليه إلَّا أُتِيَ عليه وعلى أهْل بَيْته.
قال: وقد أُخِذ خَالِد في ذلك غير مَرَّة فتأنَّى واحْتَالَ حتَّى تَخلَّصَ.
وقال ابنُ الأزْرَق بعدَ ذِكْرِ البَيْعَة لأبي العبَّاسِ السَّفَّاح: وأُدْني خَالدُ بن بَرْمَكٍ إلى الإمَام أبي العبَّاسِ وهو في مَحْملٍ من الجراحةِ الّتي كانت به، فظنَّ أبو العبَّاسِ أنَّهُ من العَرَب، لِمَا رَأى من فَصَاحَتهِ وهَيْئَته، فقال: ممَّن الرَّجُل؟ فقال: مَوْلَاك يا أمِير المُؤْمنِين، قال: ممَّن أنتَ رَحِمكَ الله؟ قال أنا من العَجَم، قال: فَمنْ أنتَ منهم؟ قال: أنا خَالِد بن بَرْمَك، ووصفَ له حالهم الّتي كانت بخُرَاسَان قبل الإسْلام، وأنَّ الله هَدَاهُم بهم أهُل البَيْت، وأنَّه في مَحَبَّتهم والتَّشَيُّع لهم كما قال الكُمَيْتُ (١): [من الطويل]
وما لي إلَّا آلَ أحْمَد شِيْعَة … وما لي إلَّا مشْيَع الحَقِّ مَشْعَبُ
قال: فأُعْجِبَ به أبو العبَّاس.
قال: وأقرَّ أبو العبَّاسِ خَالِد بن بَرْمَك على ما كان يتولَّى في العَسْكَر من الغَنائِم، ثُمَّ جَعَل دِيْوَان الخَرَاج ودِيْوَان الجُنْد إليهِ.
(١) ديوان الكميت ٥١٧، وفيه: مشعب الحقّ، وهي رواية يوردها ابن العديم فيما بعد.