للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَصُدُّ الشَّمْسَ أنَّى وَاجَهَتْنَا … فيَججُبها ويَأذَنُ للنَّسِيْمِ

يَرُوعُ حَصَاهُ حَاليَةَ العَذَارَى … فتلَمَسُ جانب العقْد النَّظِيْمِ

وقد خَرَجَ من المَوْضِعين جَمَاعَةٌ من الأُدَبَاءِ، وعصَابَةٌ من الشُّعَرَاء، وأعْيَان المَوْضِعين عَبَّاسيونَ؛ من بني العبَّاسِ بن الوَلِيد الكِلابِيَّ، وكان وَالي جُنْد قِنَّسْرِيْن، ونَسْله وعَقِبه ومَوَالِيهم بوَادِي بُطْنَان.

فأمَّا بُزَاعَا؛ فكان لها حِصْن مَانع، وعليه خَنْدَق، وآثاره باقية إلى يومنا هذا، وكان الرُّوم قد اسْتَولوا على هذا الحِصْنِ في سَنَة إحْدَى وثلاثين وخَمْسِمائَة؛ فَتَحَه مَلِكُ الرُّوم بالسَّيْف، ثمّ انْدَفع وعاد في سَنة اثْنَتين وثلاثين وفَتَحَه بالأمَان، ثمّ غَدَرَ بهم ونادَى مُنَاديه: مَنْ تنَصَّر فهو آمن، ومَن أَبَى فهو مَقْتُول أو مأسُور، فَتَنَصَّر منهم أكْثَر من خَمْسمائة إنسَان، منهم القَاضِي والشُّهُود، وانْقَطَعت الطُّرُقات على طَريق بُزَاعَا وصَارت على طَرِيْق بَالِس، وضَاق بالمُسْلِميْن الخِنَاق، فاسْتَنْقذهُ أتَابِك الشَّهِيْد زَنْكِي من أيْدِيهم في مُحَرَّم سَنَة ثلاثٍ وثلاثين، وخَرِب الحِصْن والبَلَد عَامِر.

وأمَّا البَابُ؛ فهي أكْثَر عِمَارَة من بُزَاعَا، وكان فيها مغائر تعصِمُهم من الغَارَات، وكان بها طائفة كَثِيْرة من الإسْمَاعِيْليَّة، فاجْتَمع النَّبوِيَّة (a) في [أهْل


(a) تقييد ابن العديم لهذه اللفظة يوهم بعدم معرفته بالوجه الصَّحيح لتقييدها، فوازي نقط الباء والنون على مستوى واحد بما يحتمل الوجهين، والمثبت - بتقديم النون - كما هو في رحلة ابن جبير ٢٥٢ ومرآة الزمان ٢١: ٢٣١ وزبدة الحلب ٢: ٥٢٩، والأعلاق الخطيرة لابن شدَّاد ١/ ٢: ٢٩، و سير أعلام النبلاء ٢١: ٤٦١، وعرَّف ابن جبير هذه الجماعة بعد أن عَدَّد فرق الشيعة في الشَّام فقال: "وسلَّط الله على هذه الرافضة طائفة تعرف بالنبوية، سنّيون يدينون بالفتوة وبأمور الرجولة كلها. وكلّ من ألحقوه بهم لخصلة يرونها فيه منها يُحزّمونه السراويل فيلحقونه بهم، ولا يرون أن يستعدي أحد منهم في نازلة تنزل به، لهم في ذلك مذاهب عجيبة. واذا أقسم أحدهم بالفتوة برّ قسمه، وهم يقتلون هؤلاء الروافض أينما وجدوهم، وشأنهم عجيب في الأنفة والائتلاف". رحلة ابن جبير ٢٥٢.
وكان تواجد النبوية بالعراق، وواقعهم بالإسماعيلية في سنة ٥٧٠ هـ، حسبما ذكره سبط ابن الجوزي في أحداث تلك السنة، قال: "وفيها وصلت النبوية من العراق في عشرة آلاف فارس وراجل، فنزلوا بزاعة والباب، فقتلوا ثلاثة عشر ألفًا من الإسماعيلية، وسبوا نساءهم وذراريهم، وعادوا إلى العراق ومعهم الغنائم، والرؤوس على رماحهم، وعلى القصب عشرون ألف أذُن". انظر: مرآة الزمان: ٣١: ٢٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>