للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحنُ أوْسَعُ النَّاس بَرِّيَّةً، وأَرْيفهم بَحْريَّة، وأكْثرهم ذُرِّيَّة، وأبْعدُهُم سَرِيَّة، بُيُوتُنا ذَهَبٌ، ونَهْرنا عَجَبٌ، أوَّله رُطَبٌ، وآخرهُ عِنَبٌ، وأوْسَطُهُ قَصَبٌ.

فأمَّا نَهْرُنا العَجَبُ؛ فإنَّ الماءَ يُقْبِل وله عُبَابٌ ونحنُ نيامٌ على فُرُشِنا حتَّى يَدْخُل أرْضَنَا، فيَغْسِل (a) نَتْنَها، ويَعْلُو مَتْنَها، فنَبْلغ منه حَاجَاتنا ونحنُ نيامٌ على فُرشنا، لا ننُافِسُ فيه من قِلَّة، ولا نُمنعُ منه لذِلَّة، يَأتينا عند حَاجَتنا إليهِ، ويَذْهَبُ عنَّا عند رِيِّنا وغِنَاءنا عنهُ.

النَّخْلُ عندنا في مَنَابتهِ، كالزَّيْتُون عندَكُم في مَأَرَكِه (b)، فذَاكَ في أوَّلهِ (c) كهذا فِي إبَّانه، ذَاكَ في أفْنَانهِ كهذا في أغْصَانهِ، يخرُج أسْفَاطًا عِظَامًا وأوْسَاطًا، ثمّ يَنْفلِقُ (٤) عن قضْبانِ الفِضَّةِ مَنْظُومةً بالزَّبَرْجَدِ الأخْضر، ثمّ يَصِيرُ أصْفَر وأحْمَر، ثمّ يصيرُ عَسَلًا فِي شَنَّةٍ من سَحَّاء ليست بقِرْبة ولا إناء، حولها المُذَابُ، ودُونها الحرَابُ، لا يَقْربُها الذَّبَاب، مَرْفُوعة عن التُّرابِ، من الرَّاسخاتِ في الوَحْل، المُلْقَحَات بالفَحْلِ، المُطْعِماتِ في المَحْلِ.

وأمَّا بُيُوتنا الذَّهَب، فإنَّ لنا عليهم خَرْجًا في السِّنِيْن والشُّهُور، نأخذُه فِي أوْقَاته، ويَدْفَع اللّهُ عنه آفاته، ونُنْفقه في مَرْضَاتهِ.

قال: فقال هِشَام: وأَنَّى لكم هذا يا ابن صَفْوَان، ولَم تُسْبَقُوا إليهِ، ولَم تُنَافسُوا (e) عليه؟ فقال: وَرثْنَاهُ عن الآباء، ونَعْمرهُ (f) للأبْناء، فيَدْفَع لنا عنه رَبُّ السَّماءَ، فمَثَلنُا فيه كما قال أَوْسُ بن مَغْرَاء: [من الوافر]

فمهما كان من خَيْرٍ فإنَّا … وَرِثناهُ أوَائِلَ أَوَّليْنَا

ونحنُ مُوَرِّثُوهُ كَما وَرِثْنا … عَنِ الآباءِ إنْ مُتْنَا بنيْنَا


(a) مهملة في الأصل، وفي كتاب الجليس الصالح: فيغسل آنيتها، وابن عساكر: فيغسل نبتها.
(b) الجليس الصالح: منازله.
(c) الجليس الصالح وابن عساكر: أوانه.
(d) الجريري: ينغلق.
(e) الجريري: تغلوا.
(f) الجريري: ونغمره.

<<  <  ج: ص:  >  >>