للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُؤْمنِيْن، إنَّ اليمن هُم العَرَبُ الّذين دَانَتْ لهم الدُّنْيا، وكانت لهم القُرَى، ولم يَنَالوا مُلُوكًا أرْبَابًا، وَرِثُوا ذلك كابِرًا عن كَابرٍ، أوَّلًا عن آخِر، منهم النُّعْمانيَّاتُ والمنذِريَّاتُ والقَابُوسِيَّات والتَّبَابِعَة (a)، ومنهم من حَمَتْ لَحمهُ الدَّبْرُ، ومنهم غَسِيلُ المَلائِكَة، ومنهم مَنْ اهْتَزَّ لمَوْته العَرْشُ، ومنهم مُكَلِّم الذِّئْب، ومنهم الّذي كان يأخُذ كُلّ سَفِيْنةٍ غَصْبًا، وليس شيءٌ له خَطَرٌ إلَّا وإليهم يُنْسَبُ من: فَرَسٍ رَائع (b)، أو سَيْفٍ قَاطِع، أو دِرْعٍ حَصِيْنَةٍ، أو حُلَّةٍ مصُوْنَة، أو دُرَّةٍ مَكْنُونَة، إنْ سُئِلُوا أعْطَوْا، وإنْ سِيْمُوا أبَوْا، وإنْ نَزَلَ بهم ضَيْفٌ قَرَوْا، لا يبلغُهُم مُكاثِرٌ، ولا يَنَالهم مُفَاخِر، هُم العَرَبُ العَارِبَة وغيرهم المُتَعَرِّبَة.

قال أبو العبَّاسِ: ما أظُنُّ التَّمِيْمِيّ يَرْضَى بقَوْلك، ثُمَّ قال: ما تقُول يا خَالِد؟ قال: إنْ أذنتَ لي في الكَلَام، وآمنْتَنِي من المَوْجَدَة، تكَلَّمْتُ، قال: قد أذنْتُ لك فتَكَلَّم ولا تَهَبْ أحَدًا.

فقال: أخْطأ يا أَمِيرَ المُؤْمنِيْن المُتَقحِّمُ بغير عِلْمٍ، ونَطَقَ بغير صَوَاب، فكيفَ يَكُون ما قال؟! والقَوْم ليسَتْ لهم ألْسُنٌ فَصِيحةٌ، ولا لُغَةٌ صَحِيْحةٌ، ولا حُجَّةٌ نَزَل بها كتابٌ، ولا جاءَت بها سُنَّةٌ، وهُم منَّا على مَنْزِلتَين: إنْ جَاروا عن قَصْدِنا أُكِلُوا (c)، وإنْ جَازُوا (d) حُكْمنا قُتِلُوا، يَفْخرُون علينا بالنُّعْمانيَّات والمْنْذِريّات وغير ذلك ممَّا سَنأتي عليه، ونَفْخَرُ عليهم بخَيْر الأنَام، وأكْرَم الكِرَام، مُحَمَّد عليه السَّلام، وللّهِ علينا المنَّةُ وعليهم، لقد كانُوا أتْباعَهُ، فبهِ عُزُّوا، وله أُكْرِمُوا، فمنَّا النَّبِيُّ المُصْطَفَى، ومنَّا الخَلِيفَةُ المُرْتَضَى، ولنا البَيْتُ المَعْمُور، والمَشْعَرُ (e)، وزَمْزَم، والمقَام، والمِنْبَر، والرُّكنِ، والحَطِم، والمَشَاعِرُ، والحَجَابَةُ (f)، والبَطْحَاءُ، مع ما لا يَخْفي من المَآثر، ولا يُدْركُ من المَفَاخِر.


(a) الأصل: التتابعة! وفي المحاسن والمساوئ للبيهقي: النعمانات والمنذرات والقابوسات.
(b) ابن عساكر: رابع.
(c) محاسن البيهقيّ: إن حازوا ما قصدوا أكلوا.
(d) محاسن البيهقيّ: حادوا عن.
(e) الجريري: والمسعى.
(f) الأصل: الحجاية، وصوابه المثبت؛ حِجابة الكعبة، وكانت في يد بَنِي قصيّ، وهو سدانتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>