أنْشَده الأبْيَات ولم يُسَمِّ قَائلًا فظنَّها له واللهُ أعْلَمُ، ولا يُظَنّ بخَالِد أنَّهُ يَدَّعي ما ليس له لا سِيَّما في الشِّعْر، فإنَّهُ كان على ما بَلَغَني يَكْره أنْ يُنْسَبَ إلى أبيهِ ويَسْتُره جُهْدَه فكيف في حَقِّ نَفْسِهِ.
سَمِعْتُ القَاضِي بَهَاء الدِّين أبا مُحَمَّد الحَسَن بن إبْراهيم بن سَعيد بن الخَشَّاب الحَلَبِيّ يَقُول: سَمِعْتُ الرَّئِيس أبا الحَسَن عليّ بن الحَكَم الحَلَبِيّ يَقُول: سَمِعْتُ أبا عَبْد الله مُحَمَّد بن نَصْر القَيْسَرَانِيّ يَقُول: قد أبْطَأ عليَّ أمْر خَالِدٍ، يعني ولدَهُ.
قال لي أبو مُحَمَّد بن الخَشَّاب: وكان أبو عَبْد الله يَعْرف عِلْم النُّجُوم مَعْرفَةً جَيِّدةً وكأنَّهُ اسْتَنْبَط من تَسْيير مَوْلد وَلده خَالِد أنَّهُ يكُون له شَأنٌ ورئاسَةٌ وتَقَدُّمٌ، فكان يَنْتظر ذلك منه، فقَدَّر الله تعالى أنَّ الأمْرَ وقعَ كما كان يَنْتظره.
أخْبَرَني شَمْس الدِّين أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن يُوسُف بن الخَضِر، قاضي العَسْكَر، قال: كان مُوَفَّق الدِّين خَالِد بن القَيْسَرَانِيّ يُجَلِّد تَجْلِيْدًا حَسَنًا، ويَكْتُب خَطًّا جَيِّدًا، وكان التّجْلِيْدُ سَبَب تَقَدُّمهِ عند المَلِك العادِل نُور الدِّين مَحْمُّود بن زَنْكِي، وذلك أنَّهُ وُصِف تَجْليدهُ لنُور الدِّين، فأحْضَره ليُجَلِّد لهُ كُتُبًا، فوقَفَ على خَطِّهِ فأعْجَبهُ وَرَاق له، فطلَب منهُ أنْ يكتُب له شُعَب الإيْمان للبَيْهَقيّ، فاخْتَار له مُوَفَّق الدِّين خَالِد من الوَرَق أجْوَده وصَقَلَهُ، وتكلَّف لكتابته وتَحْرير خَطِّه فيه وُسْعَه، وجَوَّد خَطّه فيه، وجَعَل في أوَّلِ كُلِّ مُجَلَّدةٍ منه ثلاثة أوْرَاقٍ بَيْضاء لَم يَكْتُب فيها شيئًا، وجَعَلَها غَوَاشِي للكتاب، وأقام في كتابته مُدَّةً طَوِيلَةً حتَّى فَرَغ منه وجَلَّدَهُ.
وكان نُور الدِّين غائبًا عن مَدِينَة حَلَب - أظُنُّه قال: بتَلّ بَاشِر - فاسْتَعار خَالِد بَغْلةً - أو قال: فَرَسًا - ورَكِبها وحَمَل معهُ الكتابَ ومَضَى إلى عَسْكَر نُور الدِّين، وتوسَّل إلى الشَّيْخ إسْمَاعِيْل الخزانْدَار أنْ يُقَدِّمَهُ له بين يَدَي نُور الدِّين،