للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحَمَل له الكتاب وعرضَهُ على نُور الدِّين، فصَفح القَائِمة الأُوْلَى فوجَدَها بَيْضاء، ثمّ فعل بالثَّانيَة فوَجَدها كذلك، ثُمَّ بالثَّالثة فوَجَدها كذلك فلم يَتَعدَّها إلى غيرها، ولَم يتأمَّل الكتابة، وقال: يُكْتب على هذه المُجَلَّدات الوَقف على مَقْصُورة الخَضِر بجامع دِمَشْق، وتُرْسَل إليها، ولَم يَنْظُر في الكتاب ولا وَقَف على ما كَتَب! فشقّ ذلك على خَالِد مَشَقَّة عَظِيمَة لكونه اعْتَنى بالكتاب وقاسَى التَّعَب في تَحْرير خَطّه فيه، وصَقل وَرَقهِ وتجْليده والاعْتِناء به، ولَم يَقِف نُور الدِّين عليه ولم يَحْتَفِل بهِ.

وأقام بالعَسْكَر، وباتَ في المُخَيَّم، فسُرِقَت الدَّابَّة الّتي اسْتَعارها، فأُنْهي أمْرها إِلى نُور الدِّين، فقال: هو فَرَّط، لِمَ لَمْ يَحْفَظ دَابَّته؟. فازْدَاد خَالِد حَرَجًا على حَرَج، وهَمًّا على هَمٍّ، وتوسَّل له إسْمَاعِيْل الخزانْدَار إلى نُور الدِّين حتَّى أمَرَ باسْتِخْدَامهِ في بعضِ الجِهَاتِ البَرَّانِيِّة من عَمَل حَلَب، فخَدَم بها مُدَّةً، وقَلّ ما بيَده ومَرض، فَتَرك الجهة الّتي كان فيها ودَخَل منها بغير دُسْتُور.

وكان نُور الدِّين مُعَسْكرًا في بعض الجِهَات الّتي قَصَدها، فقَصَد العَسْكَر وجاء إلى الشَّيْخ إسْمَاعِيْل الخزانْدَار، وأعْلَمه بحالهِ وبانْفِصَالهِ، فقال له: وانفصَلْتَ عن غير دُسْتُور؟ قال: نعم، لعَجْزي! فعَنَّفَهُ ولَامَهُ، وقال له: ليسَ لك ذَنْبٌ وإنَّما الذَّنْبُ لي حيثُ نَسَّبت لكَ في هذا الأمْر! فوَجم خَالِد ونَدِم ندَامةً عَظِيمَة، وشَقَّ عليه مُوَاجهة الشَّيْخ إسْمَاعِيْل له بما وَاجهَهُ به من الكَلَام الّذي أغْلَظ له فيه، ثمّ إنَّهُ أعْلَمِ نُور الدِّين بمجيئه وانْفِصَاله عن الجِهَة، فأحْضَره نُور الدِّين مَجْلسَهُ وأجْلَسَهُ، ودَفَع إليه وَرَقَةً ودواةً، وقال له: اكْتُب فيها شيئًا. قال خَالِد: فأخَذْتُ الوَرَقَة وِكَتَبْتُ فيها سَطْرَين، وأنا تاركٌ من المَرَض الّذي لَحِقَني، فكَتَبْتُ فيها سَطْرين لَم أكْتُب مثلهما (a) قَطّ في الجَوْدَةِ، وكان ذلك ابْتداء السَّعَادَةِ، قال: فأخذَهُما نُور الدِّين وتأمَّلَهُما واسْتَحْسَنَهما، وكَتَبَ تحتهما بخَطِّه


(a) الأصل: مثلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>