للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَقْلًا منهما، ثمّ أمرَ أنْ يكُون في صُحْبَتهِ واسْتَكْتبَهُ، وقرَّر له رِزْقًا يَسْتَعينُ به، ثُمَّ ارْتفعَ أمْرُه عندَهُ، وازْدَادت مَنْزِلته، وعلَتْ مَرْتبَته، وجَعَل أمْرُه يَتَرقَّى إلى أنْ كان منه ما كان رَحِمَهُ اللهُ. حَكَى لي مَعْنى ما ذَكَرته وأظُنُّه - واللهُ أعْلَمُ - أسْنَدَهُ إلى الخَطِيب هاشِم خَطِيْب حَلَب.

قَرَأتُ في كتاب خَرِيْدَة القَصْر (١)، تأليفُ عِمَاد الدِّين أبي عَبْد الله مُحمّد بن مُحَمَّد الكَاتِب الأصْبَهَانِيّ، وأجَازَهُ لي صَدِيْقُنا أبو عَبْد اللهِ مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل بن أبي الحَجَّاج، قال: أخْبَرَنا العِمَاد الكَاتِب في تَرْجَمَةِ أبي عَبْد الله مُحَمَّد بن نَصْر بن صَغِير القَيْسَرَانِيّ، قال: ولمَّا وَصَلتُ إلى الشَّام، والتبَسْتُ بخِدْمَةِ نُور الدِّين، وَجَدْتُ مُوَفَّق الدِّين خَالِدًا ولدَ أبي عَبْد اللهِ القَيْسَرَانِيّ صَدْرَ مَنَاصِبها، وبَدْرَ مَرَاتبها (a)، وجَمَعَت بيني وبينَهُ الصُّحْبَة (b)، لأنَّهُ كان مُسْتَوفي المَمْلَكَةِ، وأنا مُنْشِئُها تارةً ومُشْرِفُها أُخرى، فلمَّا سَيَّرَهُ نُورُ الدِّين إلى مِصْر قُمْتُ بجميع الأُمُور بعدَهُ، وكان نُور الدِّين قد رَفَعَهُ واصْطَنَعَهُ، وبلَغَ به مَبْلَغًا من الأمْر كأنَّهُ أشْرَكَهُ في مُلكْهِ! وقد كان حَقِيقًا بذلك لبيْقًا به، وما زلنا سَفَرًا وحَضَرًا نَتناشَدُ أشْعَارَ أبيهِ (c) حتَّى لعَلَّهُ قد أَتَى في الإنْشَادِ عِلى مُعْظَمِ شِعْر وَالدِه، وكان قد بلَغ إلى حَدٍّ خَدَمهُ مَمْدُوحُو والده وقصَدُوه، ورَجَوْه واجْتَدَوه، وكأنَّهُ أَنِفَ من مَدْح والدِه لهم، وكَرِه لنَفْسِه كيف قَصَدَهُم وأمَّلَهُم.

أخْبَرَني فَخْر الدِّين إبْراهيم بن خَالِد بن مُحَمَّد بن نَصْر القَيْسَرَانِيّ أنَّ أباهُ خَالِدًا تُوفِّي في يَوْم الجُمُعَة رَابع عَشر جُمَادَى الآخرة من سَنَةِ ثَمانٍ وثمانين وخَمْسِمائَة، ودُفِنَ بدَارِه بحَلَب.


(a) بعده في الخريدة: "ونجم كواكبها"، بل شمس مواكبها".
(b) بعده في الخريدة: "وضمّتني إليه الرتبة، وتمهدت المحبة".
(c) الخريدة: "نتناشد ونتذاكر، ونتجاذب أطراف الحديث ونتحاور".

<<  <  ج: ص:  >  >>