للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في أرض الجَزِيْرَة إذ مَرَرْتُ برُهْبَانٍ وقسِّيْسِين وأسَاقفَة، فسلَّمْتُ فردُّوا السَّلام، فقُلتُ: أين تُريدُونَ؟ قالوا: نُريدُ رَاهِبًا في هذا الدَّيْر نَأتيهِ فِى كُلِّ عام فيُخْبرنا بما يكُون في ذلك العام حتَّى لمثله من قَابِل، فقُلتُ: لآتينَّ هذا الرَّاهِبَ فلأنظُرنَّ ما عنده وكُنْتُ مَعْنِيًّا بالكُتُب، فأتَيْتُه وهو على باب دَيْره، فسلَّمْتُ فردَّ السَّلام، ثُمَّ قال: ممَّن أنتَ؟ فقُلْتُ: من المُسْلمِيْن، فقال: أمِن أمَّة أحمد؟ فقُلتُ: نعم، فقال: من عُلمَائهمِ أنت أم من جُهَّالهم؟ قُلتُ: ما أنا من عُلمَاءهم ولا أنا من جُهَّالهم. قال: فإنَّكُم تَزْعمُون أنَّكُم تدخلونَ الجَنَّة، وتَأكُلون من طَعَامها، وتَشْربون من شَرَابها، ولا تَبُولُون فيها، ولا تتغوَّطُون؟ قُلتُ: نحنُ نقُول ذلك، وهو كذلك، قال: فإنَّ له مثلًا في الدُّنْيا، فأخْبرني بما هو؟ قُلتُ: مثَلهُ كمثَل الجَنِين في بَطْن أُمِّهِ يأتيْه رِزْقُ الله في بَطْن أُمِّهِ ولا يَبُول ولا يَتَغوَّط، قال: فتَرَبَّدَ وَجْهُه، ثُمَّ قال لي: أمَا أخْبَرْتَني أنَّكَ لَسْتَ من عُلمَائهم؟ قُلْتُ: ما كذبتُكَ؛ ما أنا من عُلمَائهم ولا من جُهَّالهم!

قال: فإنَّكمُ تَزْعُمُون أنَّكُمُ تَدْخلُونَ الجَنَّة فتَأكُلونَ من طَعَامها، وتَشْربُونَ من شَرَابها، ولا يَنْقُص ذلك منها شيئًا؟ قُلتُ: نعم، نحنُ نقول ذلك وهو كذلك، قال: فإنَّ له مثلًا في الدُّنْيا فأخْبرني ما هو؟ قُلت: مثَلُه في الدُّنْيا كَمثَل الحِكْمَة لو تَعَلَّم منها خلقُ الله أجْمَعُونَ لَم ينقُص ذلك منها شيئًا، قال: فتَرَبَّد وَجْهُهُ، ثُمَّ قال: أمَا أخْبَرْتَني أنَّك لسْتَ من عُلمَائهم؟ قلتُ: ما كَذبتُكَ؛ ما أنا من عُلمَائهم ولا من جُهَّالهم.

قال: وأنتُم تَزْعمُونَ أنَّ الحَسَنة بعَشْر أمْثَالها، قُلتُ: نحنُ نقُول ذلك وهو كذلك، قال: فإنَّ له مَثَلًا في الدُّنْيا فأخْبرني ما هو؟ قُلتُ: مثَلَهُ في الدُّنْيا كَمَثَل الرَّجُل يمَرُّ على المَلأ فيهِمِ العَشرة أو أكْثَر من ذلكَ، فيُسَلِّم عليهم فيردُّونَ عليه السَّلام أجْمَعُون، قال: فتَرَبَّد وَجْهُه، وقال: أمَا أخْبَرْتَني أنَّكَ لستَ من عُلمَائهم؟ قُلتُ: ما كَذبْتُكَ؛ ما أنا من عُلمَائهم ولا من جُهَّالهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>