للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَتَصَدَّقَ عليَّ، إنِّي نَظَرتُ إلى سِيْماء الخَيْر في وَجْهِكَ، ورجَوْتُ البَرَكَة عندَكَ. فقال الخَضِرُ: آمنْتُ باللَّهِ، ما عندي شيء أُعْطيكَ إلَّا أنْ تأخُذني فتَبِيْعَني، قال المِسْكِين: فهل يَسْتَقيمِ هذا؟، قال: نعم. الحقُّ أقُول لك، لقد سَألتني بأمرٍ عَظيم، أمَا إنِّي لا أُخَيِّبُكَ بوَجْهِ رَبِّيّ، فبِعْني! فقَدَّمَهُ إلى السُّوق فباعَهُ بأرْبَعمائة دِرْهَم، قال: فمكُث عند المُشْتَري زَمَانًا لا يَسْتَعملُه في شيءٍ، فقال الخَضِرُ: إنَّما ابْتَعْتَني الْتِمَاس خَيْري؛ فاوْصِني بعَمَل، قال: أكْرَهُ أن أشُقّ عليك، قال: ليس يَشُقّ عليّ، فقال: اضْرب من اللِّبن لبَيْتِي حتَّى أقدَم عليكَ، ومَضَى الرَّجُل لسَفَره، فرجَع وقد شيَّدَ بناءَهُ، قال: أسْألكَ بوجْهِ اللَّه ما حَسْبُكَ (١)، وما أمرُكَ؟ قال: سَألتَني بوَجْهِ اللَّهِ، ووَجْهُ اللَّهِ أوْقَفني فِى العبُوديَّةِ، وقال الخَضِر: سَأُخبركَ مَنْ أنا، أنا الخَضِر الّذي سَمِعْتَ بهِ، سَألنيِ مِسْكِينٌ صَدَقَةً، فلم يكُن عندي شيء أُعْطيه، فسَألني بوَجْهِ اللَّه فأمْكَنْتُه من رَقَبتي فباعَنيّ، فأُخبرك أنَّهُ مَن سُئل بوَجْهِ اللَّهِ فردَّ سائلَهُ وهو يَقْدر، وَقَف يَوْم القِيامَة جلْد ولا لَحْم إلَّا عَظْم يتقَعْقَع، فقال الرَّجُل: آمنْتُ باللَّهِ، شقَقْتُ عليك يا رسُول اللَّهِ ولم أعْلَم!. فقال: لا بأس أبْقَيْتَ (a) وأحْسَنْتَ، فقَال الرَّجُل: بأبي أنتَ وأُمِّي يا رسُول اللَّهِ، أُحْكم في أهلي ومالي بما (b) أرَاكَ اللَّه، أو (a) أُخيِّركَ فأُخْلي سَبِيلك، فقَال: أُحبُّ أنْ تُخْلي سَبِيْلي فأعْبد اللَّه، فخَلَّي سَبِيلَهُ، فقال الخَضِر: الحَمْدُ للَّهِ الّذي أوْقَعَني في العبُودِيَّة وأنْجَاني منها.

وفي هذا دَلِيْل على أنَّ الخَضِر كان نَبيًّا مُرْسَلًا لقَوْله: يا رسُول اللَّه، في إخبار رسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم عن قَوْل القَائِل: يا رسُول اللَّه.


(a) مهملة في الأصل، والإعجام من ابن عساكر وابن كثير وابن حجر.
(b) في المتن: ما، والمثبت مما كتبه ابن العديم تصويبًا في الهامش، وهو موافق لابن عساكر وابن كثير وابن حجر.
(c) في المتن: أن، والمثبت من الهامش، ومثله عند ابن عساكر وابن كثير وابن حجر.

<<  <  ج: ص:  >  >>