وكان في يَده حِمْص وأفَامِيَة، فكَتَبَ الوُلَاةُ بالشَّام إلى السُّلْطان مَلِك شَاه، وشَكوا إليهِ خَلَف بن مُلاعِب، فكتَبَ إلى أخيه تَاج الدَّوْلَة تُتُش صَاحِب دِمَشْقِ، وإلى قَسِيم الدَّوْلَة آقْ سُنْقُر صَاحِب حَلَب، وإلى بُزَان صَاحِب الرُّهَا، وإلى يَغِي سغَان صَاحِب أنْطَاكِيَة؛ يأمُرهمِ بُمحَاصرته وانْتِزَاع مَعَاقله من يَده، وحَمْله إليهِ، فاجْتَمَعوا عليه وهو بِحمْص، وسَبقهم بُزَان فلَم يُمكِّنه من الخُرُوج من حِمْص، فافْتَتَحوا حِمْص، وسَيَّرُوا خَلَف بن مُلاعِب في قَفص حَدِيد إلى السُّلْطان مَلِك شَاه، فأطْلَق حِمْص لأَخِيهِ تُتُش، وحَبَسَ ابن مُلاعِب، وبَقِي في حَبْسه إلى أنْ أطْلَقَتْهُ خَاتُون امْرأة السُّلْطان مَلِك شَاه.
فمَضَى إلى مِصْر، إلى الأفْضَل أمير الجُيُوش، جَمَاعَةٌ من أهْل أفَامِيَة في سَنَة تِسْعٍ وثمانين، وقيل: سَنَة ثَمانٍ وثَمانين وأرْبَعِمائة، وكان وُلاتهم فيها، والْتَمسُوا منه وَاليًا يكون عليهم، ووَقَع اقْتِرَاحهم على ابن مُلاعِب، فوصَل في ذي القَعْدَة من إحْدَى السَّنَتَيْن، ودَخَلَ أفَامِيَة ومَلَكَها.
وتجدَّدَت وَحْشَةٌ بينهُ وبين ابن مُنْقِذ، أظنُّهُ أبا المُرْهَف نَصْر بن عليّ بن مُنْقِذ، وكان قَسِيم الدَّوْلَة آقْ سُنْقُر حين فَتَحَ أفَامِيَة جَعَلَهُ بها، واتَّصَلَت غاراتُ ابن مُلاعِب على شَيْزَر وكَفَرْ طَاب والجِسْر، وزَحَفَ ابنُ مُنْقِذ إليه ومعه خَلْقٌ ورجَّالةٌ فظَفر بهم ابن مُلاعِب وكان في نَفَرٍ يَسِيْر، فقَتَلَ جَمَاعَةً، وأسَرَ جَمَاعَةً وباعَهُم أنْفُسَهم، واسْتَقَرَّت الحال بينهم بعد ذلك.
ثُمّ عَمل البَاطِنِيَّة حِيْلَة على القَلْعَة وعليه حتَّى قَتلُوه في سَنَة تِسْعٍ وتِسْعِين وأرْبَعِمائة.
قَرَأتُ في تاريخ أبي المُغِيْث مُنْقِذ بن مُرْشِد بن عليّ بن مُنْقِذ الّذي ذَيَّلَ به تاريخ أبي غَالِب هَمَّام بن المُهَذَّب المَعَرِّيّ، قال: سَنَة ثَلاثٍ وثَمانين وأرْبَعِمائة،