فيها كَتَبَ وُلَاةُ الشَّام إلى السُّلْطان مَلِك شَاه يَشْكُون فيها ما يَلقَونَهُ من خَلَف بن مُلاعِب بحِمْص؛ من قَطْع الطَّريق، وإخَافة السَّبِيْل، فأمَرَ السُّلْطان أنْ يَسِيْر إليه بُوزَان (a) وقَسِيم الدَّوْلَة وتَاج الدَّوْلَة ويَغِي سغَان، فسَبَق إليه بُزَان، فنَزَلَ قَريبًا من حِمْص فكَتَمه ما يُريد حتَّى بَلَغ منه غَرَضًا، ودَخَلَ إليه رَسُولُه فقال: عَاشَ لك مُلَاعِب، ثمّ حَصَر بُزَان المَدِينة، واجْتَمَع عليها كُلّ مَنْ في الشَّامِ فافْتُتِحَت، وكُلّ من الأُمَرَاء المَذْكُورين طَلَبها، فكَتَبوا جَمِيعًا إلى السُّلْطان، فأنْعم بها على أخيهِ تَاج الدَّوْلَةِ، وأمَرَ السُّلْطان بحَمْل خَلَف بن مُلاعِب في قَفَصٍ من حَدِيدٍ إلى قَلْعَة أصْبَهَان، فحُمِلَ وحُبِسَ بها حتَّى ماتَ السُّلْطان.
وقال: سَنَة أرْبَعٍ وثَمانين وأرْبَعمائة، وفيها نَزَلَ قَسِيم الدَّوْلَة آقْ سُنْقُر على أفَامِيَة، ومَلَكَها، وسَلَّمَها إلى عَمِّي عِزّ الدَّولَة أبي المُرْهَف نَصْر ابن سَدِيد المُلْك، وذلك في شَعْبان.
أنْبَأنَا أبو مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه الأسَدِيّ، قال: كَتَبَ إلينا أبو المُظَفَّر أُسامَة بن مُرْشِد بن عليّ بن مُنْقِذ، قال: كانت حِمْصُ في سَنَة اثْنَتَيْن وثَمانين وأرْبَعِمائة لسَيْف الدَّوْلَةِ خَلَف بن مُلاعِب الأَشْهَبيّ، فنَزَلَ على سَلَمْيَة، وأخَذَ الشَّريف إبْراهيم الهاشِميَّ فرَمَاهُ في المِنْجَنِيْق إلى بُرْج سَلَمْيَة، وأخَذَ قَوْمًا من بني عَمِّهِ مأسُورين، فَمضَى مَنْ بقي منهم واسْتَغاثُوا عليه بالخَلِيفَة والسُّلْطان مَلِك شَاه، فخرَجَ أمْرُ السُّلْطانِ إلى أُمَرَاءَ الشَّام: تَاج الدَّوْلَة تُتُش صَاحِب دِمَشْق، وقَسِيم الدَّوْلَةِ صَاحِب حَلَب، وبُزَان بن ألْب صَاحِب الرُّهَا، ويَغِي سغَان صَاحِب أنْطَاكِيَة، بالنُّزُول على حِمْصَ، والقَبْض على سَيْف الدَّوْلَة خَلَف بن مُلاعِب وتَسْييره إليه، فنَزَلُوا على حِمْص، وحَاصَرُوه، وأخَذُوه، وسَيَّروهُ إلى السُّلْطان، فأقامَ في الحَبْس
(a) تقدم ذكره بإسقاط الواو: بزان، وهو يرد على الوجهين، وانظر: زبدة الحلب ١: ٣٢٨ - ٣٣٤.