للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلمَّا كان يَوْم الأرْبَعَاء لعَشر ليالٍ بَقِينَ من شَهْر رَمَضَان -يعني: سَنَة تِسْعين- أوْقَعُوا بخَلِيفَة بن المُبارك المَعْرُوف بَأبي الأَغَرّ، وهو في عَسْكَره على غايةِ الطُّمَأنِيْنة، وما يُقدِّر أنْ خَيْل المَارِقَة تبلغُ إليه، لأنّهُ لَم يكُن وَصَل إلى حَلَب، وكان ابْنُه بها، فقَتَل القَرَامطَةُ عامَّةَ مَنْ كان في عَسْكَره من الأوْلِيَاء والتِّبَاع (١) والتُّجَّار، فأُبِيد خَلْقٌ من النَّاسِ، وسَلِمَ أبو الأَغَرَّ، فصَار إلى قَرْيَةٍ من قُرَى حَلَب، وخَرَجَ إليه ابنُه من المَدِينَة في جَمَاعةٍ من الأوْلِيَاءِ والرَّجَّالَةِ، فأقامُوا على مَدِينَةِ حَلَب على سَبِيْل المُحَاصَرة لأهْلها.

فلمَّا كان يَوْم الجُمُعَة سَلْخ شَهْر رَمَضَان، تَسَرَّع أهْلُ مَدِينَة حَلَب إلى الخُرُوج للقاءِ عَدُوِّهم، فُمنِعُوا من ذلك، فكَسَروا قُفْل الباب، وخَرَجُوا إلى الفَسَقَةِ، فدَامَت الحَرْب بين الفَرِيْقَين، ورَزَق اللَّهُ الرَّعِيَّة النَّصْر عليهم، وخَرَجَ السُّلْطان فأعانَهُم، فقُتِلَ من القَرَامِطَة جَمَاعَة كَثِيْرة.

ولمَّا كان يَوْم السَّبْت يَوْم العِيْدِ، خَرَجَ أبو الأَغرّ خَلِيفَة بن المُبارَك إلى المُصَلَّى، وعَيَّد المُسْلُمون، وخَطَب الخَاطِبُ، ثُمّ عَادَتِ الرَّعِيَّةُ على حالِ سَلامَة.

وأشْرَف خَلِيفَة بن المُبارَك على عَسْكَر الفَسَقَة، فما خَرَج إليه منهم أحدُ، وانْصَرَف عنهم. فلمَّا آيسُوا رحَلُوا في النِّصْف من لَيْلَة الأَحَد عن مُعَسْكَرهم، وصارُوا إلى صاحِبهم الحَائِن (٢).

أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بن الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: كَتَبَ إلينا أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن عليّ العُظَيْميّ (٣)، قال: سَنَة تِسْعين ومَائتَيْن، خُلعَ على أبي الأَغَرّ ووُجِّه


(١) التِّبَاع: الموالي. لسان العرب، مادة: تبع.
(٢) الحائن: الهالك، والحَين: الهلاك. لسان العرب، مادة: حين.
(٣) النقل عن كأبه المُؤصَّل، وورد ذكره في كتابه تاريخ حلب ٢٧٤ في أحداث السنة المذكورة (٢٩٠ هـ)، وليس فيه سوى إشارة مقتضبة إلى أنه حارب القرامطة فهزم وقُتل من معه. ووردت كنيته في نشرة الكتاب: أبو الأعز!.

<<  <  ج: ص:  >  >>