للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَبْد اللَّه الأمْجَدِيّ، قالا: كُنَّا جالسَيْن عند وَالدِكَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أيَّام اشْتِدَادِ الوَبَاءِ عَقِيْبَ كَائِنة بَغْدَاد، فتَسَخَّطْنا بالوَبَاء، وقُلْنا: هذا سَخْطَةٌ أرْسَلها اللَّهُ على النَّاسِ، فقال: لا تقُولوا هذا، فإنَّ الطَّاعُونَ لمَّا وَقَعَ بعَمْوَاس قال بعضُ النَّاسِ هذا رِجْزٌ، هذا الطُّوفَانُ الّذي بُعِثَ على بني إِسْرَائيِل، وبَلَغَ ذلك مُعَاذًا فقال: يا أيُّها النَّاسُ، لِمَ تَجْعلُونَ دَعْوَةَ نَبِيِّكُم، ورَحْمَةَ ربِّكم عَذَابًا، وتَزْعمُونَ أنَّ الطَّاعُون هو الطُّوفَان الّذي بُعِثَ على بني إِسْرَائيِل، وإنَّ الطَّاعُون لرَحْمَةٌ من رَبِّكم رَحِمَكُم بها، ودَعْوَةٌ من نَبِيِّكُم لكم، وكِفْتُ (a) الصَّالِحين قَبْلكم، اللَّهُمَّ أَدْخِل على آل مُعَاذٍ منه نَصِيْبَهُم الأوْفَى، فطُعِنَ عبدُ الرَّحْمن بن مُعَاذٍ وامْرأته، ودَخَلَ عليهِ مُعَاذ يَعُودُه، فقال: يا بنيّ، كيف تجدُكَ؟ قال يا أبة، {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} (١)، فقال: يا بنيّ {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} (٢)، فماتَ الفَتَى وامْرأتُه، وطُعِنَتْ امْرَأتانِ لمُعَاذٍ فمَاتتا في يَوْمٍ واحدٍ، فأقْرَع بينهما فقدَّم أحْديهما قبل صَاحِبتها في القَبْر، وطُعِنَت خَادِمُه (b)، وأُمِّ وَلدِه فتُوفِّيتا فدَفَنهما، حتَّى إذا لَم يَبْقَ غيره طُعِنَ في كَفِّه ببَثْرة صَغيرَة كأنَّها عَدسَة، فَجَعَل يَنْظُر إليها ويقُول: إنَّك لصَغِيرَةٌ، وإنَّ اللَّه ليَجْعَل في الصَّغير الخَيْر الكَبِير، ثمّ يُقَبِّلُها ويقُول: ما أُحبُّ أنَّ لي بك حُمرَ النِّعَم، فلمَّا نَزَلَ بهِ المَوْتُ فجَعَل يُغَتّ به ثمّ يُغْمَى عليه، ثمّ يتنَفَّسُ عنه، فيقُول: غُمّ غمّك، فوَعِزَّتكَ إنَّكَ لتَعْلَم أنِّي أُحبُّكَ، ثمّ يَقُول: جَرِّعني ما أرْدت.

قال الحَسَنُ بن دَاوُد: قالا لي (٣): فلمَّا فَرَغَ وَالدكَ من هذه القِصَّة، رَفَعَ يَدَيهِ مُبْتَهلًا وقال: اللَّهُمَّ اجْعَلنا منهم، وارْزُقْنا ما رَزَقْتَهم، فأصْبَح من الغَدِ أو من


(a) كذا في الأصل ومثله في تاريخ ابن عساكر ٥٨: ٤٤٤، والكِفْتُ: القبض والضم، كَفَتهُ اللَّه: قبضه، وجمعه كفات. لسان العرب، مادة: كفت.
(b) كذا في الأصل ومثله في رواية ابن عساكر، ولعلها: خادمته، لما سبقه وأيضًا لقوله فيما بعد "فتوفيتا".

<<  <  ج: ص:  >  >>