للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْد الغَد مَرِيْضًا، وكُنْتُ أنا غَائِبًا عنه، فلمَّا بَلَغَني مَرضُه، جِئْتُ إليه، فإذا هو يَشْكُو ألَمًا شَدِيْدًا بجَنْبِه الأَيْسَر بحيثُ لا يَسْتَطيع الاضْطِجَاع، وكان يقُول: أُحِسُّ في جَنْبي مثْل الطَّعْنِ بالسَّيْفِ، ولم يَزَل كذلك أرْبَعَة أيَّام ولَيْلة الخَامِس إلى السَّحَر؛ لَم يَذُق النَّوْم إلَّا إغْفَاءًا نُسَنِّدُ رَأسَهُ بأيْدِينا، ثمّ وَجَدَ خِفًّا واضْطَجَع ونَام وأصْبَح بَارِئًا، وبَقِيَ على ذلك يَوْمَهُ ولَيْلَتَهُ، فلمَّا أصْبَح في اليَوْمِ السَّادِس شَكَا ألَمًا خَفِيْفًا بجَنْبِه الأيْمَن، وأخَذَ في التَّزايُدِ يَوْمَهُ ولَيْلَته، فتحَقَّق في اليَوْم السَّابِع أنَّهُ طَاعُون، واشْتَدّ الألَمُ وعَادَ كما كان في المَرَّة الأُوْلَى، وانْحَطَّت قُوَاهُ.

فلمَّا كان بين الصَّلَاتَيْن، كُنْتُ جالِسًا عندَهُ، وقد أَغْفَى، فانْتَبَه تُرْعَدُ فرائصُهُ، وأشَارَ إليَّ أنْ أَقْتَربَ منهُ، فقال: رأيْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم والخَضِر عليه السَّلامُ، وقد جاءَا إليَّ يَعُودَاني، فجلَسَا عندي ثمّ انْصَرَفا، فلمَّا كان أواخر النَّهَار قال لي: ما بَقِيَ فيَّ رَجَاءٌ، فتَهَيَّأ في تَجْهِيزي، فبَكَيْتُ وبَكَى الحَاضِرُونَ من أوْلادِه وغيرهم، فقال لي: لا تكُن إلَّا رَجُلًا، ولا تَعْمل عَملَ النِّسَاءِ، ولا تُغَيِّر هَيْئتَكَ، وكُنْ على مُقْتَضَى طَرِيقتِكَ.

فلمَّا كان اللَّيْلُ، اشْتَدَّ به الضَّعْفُ، وانْصَرَفتُ في حَاجةٍ، فحدَّثني بَعْضُ مَنْ كان جالِسًا عندَهُ من أهْلِهِ أنَّهُ أفاقَ فَزِعًا مُرْتَعِبًا، فقال: باللَّهِ تقدَّمُوا إليَّ فإنِّي أجِدُ وَحْشَةً، فسُئِلَ: مِمَّ ذلك؟ فقال: أرَى صَفًّا عن يَمِيني فيهم أبو بَكْر وسَعْدٌ، صُوَرُهُم جَمِيلةٌ، وعليهم ثِيَابٌ بيْضٌ، وصَفًّا عن يَسَارِي صُوَرُهم قَبِيْحَةٌ، فيهم أبْدَان بلا رُؤوس وهؤلاء يَقُولونَ: تَعال إلينا، وهؤلاء يقُولون: تعال إلينا! وأنا أُرِيْدُ أنْ أروْحَ إلى أهْلِ اليَمِيْن، وكُلمَّا قال لي أهل الشَّمَال مَقَالَتَهُم قُلتُ: واللَّهِ ما أجيءُ إليكم، خَلُّوني من أيْدِيكُم، وقد ارتعَبْتُ منهم. ثمّ أغْفَى إغْفَاءَةً، ثُمَّ قال: الحَمْدُ للَّهِ خلَصْتُ منهم، وقال: رأيْتُ امرأةً جَمِيلةً لَم أرَ أحْسَنَ منها، قد جاءت إليَّ فأعْرَضْتُ عنها،

<<  <  ج: ص:  >  >>