للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكلَّمتني كالَّتي تَسْتَميلني، فقُلتُ: واللَّهِ ما لي بك من حَاجةٍ؛ هذه زَوْجَتي عندي وأنا عنها مَشْغُول، فرُوْحِي عنِّي؛ فإنَّ نَوْمَةً أحَبُّ إليَّ! فقالت: زَوْجتكَ ما تَدُومُ لكَ وما يَدْوم لك إلَّا نحنُ.

قال الحَسَنُ: وتُوفِّيَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، صَبِيْحَة هذه اللَّيْلة حين تَنَفَّس الصُّبْح من يَوْم السَّبْتِ السَّادِس والعشْرين من جُمَادَى الأُوْلَى سَنَة ستٍّ وخَمْسِين وستمائة بالبُوَيْضَا.

كَذا قال لي وَلدُه. ووَجَدْتُ تَاريْخ وفَاته بخَطِّي أنَّهُ تُوفِّي أوَّل طُلُوع الفَجْر من يَوْم السَّبْت الثَّامن والعشرين من جُمَادَى الأُوْلَى من سَنَة ستٍّ وخَمْسِين وستمائة، وحَضَرَ المَلِك النَّاصِر يُوسُف بن مُحَمَّد الصَّلاةَ عليه، واسْتَصْحَبَني معه إلى البُوَيْضَا، وقَدَّمني للصَّلَاةِ عليه، فصَلَّيْتُ عليه بإذن أوْلادِه، وكان قد أوْصَى أنْ يُغَسِّلَهُ القَاضِي شَمْسُ الدِّين عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد بن عَطَاءٍ الحَنَفِيّ قاضي دِمَشْق.

قال لي وَلدُه الحَسَن: فغَمضتُ عَيْنيه، وشَدَدت لحْيَيْه، وقَلَبْتُ الماءَ عليه، فرأيتُه كأحْسَنِ نائمٍ، فقُلْتُ للقَاضِي شَمْس الدِّين عَبْد اللَّه: ما تَرَى وَجْهَهُ؟ فقال: واللَّهِ هو الآن أحْسَنُ منه حَيًّا.

وحُمِلَتْ جنَازَته إلى جَبَل الصَّالِحين، فدُفِنَ في تُرْبَة أبيهِ المَلِك المُعَظَّم رَحِمَهما اللَّهُ، إلى جَانبه من الشّمال، ودَخَلَ المَلِكُ النَّاصِر (a) إلى وَالدَته بعد الصَّلاة عليه وعَزَّاها وسَلَّاها، ووَعَدها في مُخَلَّفِيهِ خَيْرًا، رَحِمَهُ اللَّهُ رَحْمَةً وَاسِعَةً.


(a) الأصل: الناصرية، وربما كان: "ودخل الملك الناصر به"، غير أن مؤدّى الكلام أنه وقع دفنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>