للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتَّى يُحَصِّلَ رجالًا مثل أُولئكَ الرِّجالِ يَعْتَضِد بهم. ولمَّا رَجَعَ دُبَيْسٌ إلى العِرَاق مَلَّكَ العَجُوز أُمَّ الأَمِين القَرْيَة، وهي تُعْرف الآن بها.

أخْبَرَنَا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل الشَّريفُ الهاشِمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ، قال: دُبَيْس بن صَدَقَة في مَنْصُور بن دُبَيْس بن عليّ بن مَزْيَد الأسَدِيّ أبو الأَغَرَّ، من مُلُوك العَرَب، وكان فَاضِلًا، مَهِيْبًا، كَريْم الأَخْلَاقِ، ولعَلَّ ما أنْجَبت عَرَبُ البَادِيَةِ بَعْدَهُ بمثْله، وقد تَرامَتْ به الأَسْفَار إلى أكْنَاف الأمْصَارِ، وتقلَّبت به الأحْوَالُ إلى ارْتِكَاب الأهْوَالِ، وَرَدَ بلادَ خُرَاسَانَ، وجَالَ في أطْرَافِها مُدَّة في ظِلِّ السُّلْطان سَنْجَر بن مَلِكْشاه، وكانت خَاتمة أمْره أنْ فُتِكَ به في قَصْر السُّلْطان، وخُتِمَ بهِ شَرَفُ بَيْتِهِ.

قُلتُ: هذا قَوْل أبي سَعْد السَّمْعَانيّ، ولعَلَّهُ رَحِمَهُ الله لَم يَبْلُغْهُ خَبَر دُبَيْسٍ واتِّفاقه مع الفِرِنْج على حِصَار حَلَب، وبَذْله أمْوَالَ المُسْلِمِيْن وأنْفُسَهم لأعْدَاءِ الدِّين على ما ذَكَرناهُ وبيَّناهُ، ولوٍ بَلَغَهُ هذا الفِعْل المُسْتَهْجَن القَبِيْح، الّذي لا يَصْدرُ عن مَنْ خَلُصَ إيْمانُه، وإنْ جَرَى بلَفْظ الشَّهَادَةِ لِسَانُه، ولا يَقَعِ إلَّا من سَخِيْف الرَّأي، سيِّيء التَّدْبِير، لَمَا قال: ولعَلَّ ما أنْجَبَت عَرَبُ البَادِيَةِ بعْدَهُ بمثْلهِ، وقال: وخُتِمِ بهِ شَرفُ بَيْتِه، هذا مع عِلْم دُبَيْس بأنَّ البَغْدَوين مَلِكُ الفِرِنْج كان مَأسُورًا في حَبْسِ بَلَك بن أُرْتُق، وأنَّ تَمُرْتاش أطْلَقَهُ من الأسْرِ وهَادَنهُ على أنْ لا يَخْرُج عليه، فغَدَرَ بالهُدْنَة مع تَمُرْتاش والمُسْلِمِيْن، ولَمْ يَفِ له بِمَا اسْتَقَرَّ معه في اليَمِيْن، ولعلَّ البَغْدَوينَ لو تَسَلَّط على حَلَب لَمَا وَفى لدُبَيْس بما كان قرَّره معه من مُلْك المَدِينَة، ولعَمْرِي لقد مَحَا دُبَيْس شَرَفَ أبيهِ صَدَقَة، ومَكَارِمَهُ المُحَقَّقة، ومآثر آبائهِ وأجْدَادهِ المَذْكُورة، ومَنَاقِبهم المَشْهُورة المَسْطُورة، بهذه الفعْلَة الدَّنِيِّة الَّتي فَعَلها، والقَضيَّة الشَّنْعَاءِ الّتي سَطَّرها المُؤرِّخ ونَقَلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>