للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهَل تُرَى السُّلْطانَ إلَّا رَجُلًا … يُدْرِكُهُ المَوْتُ ويُرْدِيهِ البَلَى

لَحْمٌ وعَظْمٌ ودَمٌ مُرَكَّبٌ … في صُوْرةٍ كبعضِ أبْنَاءِ الوَرَى

تُنِتنُهُ العَرْقَةُ أو تُؤلمُهُ … في قَرْصِها البَقَّةُ شَاءَ أو أبَى

لا يَسْتَطِيعُ مَعْ حِمَى سُلْطانِهِ … دَفْعَ الأذَى عَنهُ إذا هَمَّ القَضَا

فَهْوَ وإنْ عَزَّ حِمَى سُلْطانِهِ … يَخْشَى المَنَايا في الصَّبَاحِ والمَسَا

قال: فأمَرَ له بمائة دِيْنارٍ، وصَرَفَهُ في تلك اللَّيْلةِ إلى بَلْدَةِ النِّيْل.

وجَرَت بين دُبَيْسٍ والرُّسُل أرْبَابِ دَوْلةِ المُسْتَرْشِد مُقَاولاتٌ، واحْتَجُّوا بمُرَاجَعة الخَلِيفَة في ذلك، ومَضَوا ولَم تُقْضَ لهم حاجَةٌ.

وخَرَج المُسْتَرْشِد بعد ذلك لقِتالِ دُبَيْس في سَنَة ستّ عَشْرة، ولَم يَنْتَظم بينَهُ وبين دُبَيْس صُلْح، وخَرَج دُبَيْسٌ بأصْحَابهِ إلى لقائهِ، فنَزَلَ على شَطِّ النِّيْل تحت مُطَيْر آبَاذ، وأتاهُ الخَلِيفَة من جَانب البَرِّيَّةِ وأقامَ المَصَافَّ، فكانت الكَسْرَة على أصْحَاب دُبَيْسٍ، فما نَجَا منهم إلَّا القليل، وقُتِلَ البَعْضُ، وغَرِقَ البَاقُونَ في الماء، ونَجَا بحُشَاشَة نَفْسه، ووَصَلَ إِلى فَوْق مُطَيْر آبَاذ إلى قَرْيَةٍ يُقال لها قَرْيَة أُمِّ الأَمِين، وكانت أُمّ الأَمِين المَذْكُورَة فَوْق سَطْحٍ من أسْطِحَة القَرْيَة، فقالت له حين رَأته: دُبَيْرُ جئْتَ؟ فقال لها: وَيْلَكِ دُبَيْرٌ مَنْ لَم يَجِيء، أين المَخَاضُ؟ فقالت: هَا هُنا، فخَاضَ وعَبَرَ ووَقَفَ يشُقّ خُفَّه حتَّى نَزَلَ منه الماءُ، وقد تَبِعَهُ مَمَالِيْكُ المُسْتَرْشِد إلى ذلك المَوضِع، فسَألوا العَجُوزَ فضَيَّعَتْهُم عنهُ إلى مَوضِعٍ آخر فلم يَقْدِرُوا عليه، وانْحَدَر إلى أنْ لَحِقَ بالعَرَب والْتَفَّ بهم.

وظَهَرَ بالبَصْرَة بعد سَنَةٍ، فدَخَلَها، وهَرَبَ أميرُ البَصْرَة، ودَخَلَ دارَ الإمَارة وحَكم وقال: تَدْرُونَ مَنْ نَصَحَني؟ والله ما نَصَحَني غير ابن العُوْدِيّ الشَّاعر؛ فإنِّي لو قَبِلْتُ منه ذلك اليَوْم وقَتَلْتُ الّذين سَيَّرَهُم المُسْتَرْشِد للصُّلْح لبَقي المُسْتَرْشِدُ مُدَّةً

<<  <  ج: ص:  >  >>