للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَمَعَ أرْبَابَ دَوْلته وسَيَّرَهُم في الصُّلْح بينَهُ وبين دُبَيْس، واتَّفَق أنَّ ابنَ العُوْدِيّ الشَّاعِر دَخَلَ على دُبَيْس في ذلك اليَوْم، وكُنْتُ حَاضِرًا المَجْلِس، فأنْشَدَهُ قَصِيدَةً أوَّلُها: [من الرجز]

جَدُّكَ يا تاجَ المُلُوك قد عَلَا

حتَّى بَلَغ إلى قَوْله:

دُوْنَكَ صِفِّيْن فهَذي قد أتَتْ … آل زِيَادٍ والحُقُوقُ تُقْتَضَى

قال: فتَغَيَّرت وُجُوه الجَمَاعَة أصْحَابِ المُسْتَرْشِدِ، وتَغَيَّر وَجْهُ دُبَيْسٍ، وأمَرَ بصَفْعِه فصُفِعَ، وأُخْرِج من بينَ يَدَيْهِ وحُبِسَ، وَأمَرَ بالجَمَاعَة فأُنْزلوا في الدُّور، وأُكْرِمُوا غَايةَ الإكْرَام، وحُمِلَ إليهم كُلّ ما يَحْتاجُونَ إليه، فلمَّا أتَى اللَّيْل، أخْرَجَهُ من الحَبْس خْلوةً، وقال له: وَيْحَكَ! أنا قد اجْتَهدتُ حتَّى يَنْتَظم الصُّلْحُ بيني وبين الخَلِيفَة، وقد أرْسَلَ أرْبَابَ دَوْلَته لإتْمامِ هذا الأمْر، فجئتَ أنْتَ وقُلْتَ ما قُلْتَ لتُفْسد الحال! فأنْشَدَهُ: [من الوافر]

هُمُ زَرَعُوا العَدَاوَةَ لا لجُرْمٍ … فدُوْنَكَ واصْطَلِمْهُمْ بالحَصَادِ

ولا ترهَبْ قَعَاقِعَهُم فلَيْسَت … قَعَاقِعُهُمْ سِوَى لبْسِ السَّوَادِ

إذا لَمْ تَشْفِ في الدُّنْيا غَلِيْلًا … فَتَذْخَرَهُ إلى يَوْمِ المَعَادِ

فقال: أنْشِدْني بَقِيَّة القَصِيدَة، فأنْشَدَهُ: [من الرجز]

فهذِهِ يا ذَا الفَخَار دُوَلٌ … يَنْزِعُها اللهُ إلى حَيْثُ يَشَا

فانْتَهزِ الفُرْصَةَ قَبْلَ فَوْتِها … ونَادِ بالثَّأرِ فَقَد آنَ النِّدَا

ولا تكُن في النَّائِباتِ هَلِعًا … ولا جَبَانًا ذَرِعًا يَخْشَى الوَغَى

إمَّا يُقَالُ أدرَكَ العِزَّ الّذي … ما مِثْلُهُ أو خَانَهُ صَرْفُ الرَّدَى

فالدَّاءُ لو يَحْسِمُهُ صَاحِبُهُ … إذا بَدَا أغْنَاهُ عن شُرْب الدَّوَا

<<  <  ج: ص:  >  >>