للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَدَّثَني فَرَّاشٌ كان يُقال له حَسَنٌ التَّمْريّ، قال: كان الأَمِير المَذْكُور قد اسْتَشْعَر الأمْرَ الرَّدِيءَ من قِبَلِ السُّلْطان، وكان في تلك اللَّيْلة تقدَّمَ إلى خَوَاصِّهِ أنْ ارْحَلُوا، فرَحَلُوا وتَرَكُوا الخِيَام بآلاتها، وسَارَ مُقَدَّر (a) ثلاث فَرَاسِخ، فردَّهُ القَدَرُ الّذي لا بُدّ منه، وقال الصُّحْبَة (b): قد ضَجِرت من الشَّتَاتِ في أقْطَارِ الجِهَاتِ، وما قَضَاهُ اللهُ فقد أمْضَاهُ، وعاد ولَم يَشْعُر به غير مَنْ كان مَعَهُ، فلمَّا أصْبَحَ، رَكِبَ مع السُّلْطان على عَادَته، ونَزَل السُّلْطانُ في النَّوبتيَّةِ (١) والأُمَرَاء معه على العَادَةِ المألُوفَة، وأُحْضِر الطَّعَامُ، فأكَلُوا، وأخَذَ النَّاسُ في الانْصِرَاف، وكان السُّلْطان قد دَخَل إلى خِرْكَاهٍ في جَانِب النَّوبتيَّةِ، فأرادَ الأَمِير دُبَيْسٌ الانْصِرَاف، فتقدَّم إليه رَجُلٌ مُعَمَّم بزيّ الكُتَّاب وقال له: السُّلْطانُ يَقُول لك: قد وَرَدَ علينا كُتُبٌ ونَشْتَهي تَسْمَعها، فجلَسَ واسْتَدْعَى منِّي خلالًا، وجَعَل يتَخَلَّلُ والكَاتِبُ بينَ يَدَيْهِ، فرَأيتُ تُرْكيًّا قد خَرَجَ من الخِرْكَاه وبيَده صَمْصَامةٌ مُجَرَّدَة، فَمشَى حتَّى صَارَ على رَأسِ الأَمِير فلم يلتَفت إليه، وعادَ دَخَل الخِرْكَاه وليسَ في النَّوبتيَّةِ جالسٌ غيره والكَاتِبُ بن يَديهِ، ثُمَّ عاد الغُلَامِ التُّرْكِيّ خَرَجَ حتَّى حَاذَى الأَمِير وضَرَبَهُ على رَقَبَته، فرَأيْتُ رَأسَهُ مُعَلَّقًا بجلْدَةِ رَقَبَتهِ، فهَرَبْتُ من سَاعَتي وكان بباب خُوَيّ، وحُمِلَ بعد ذلك ودُفِنَ بالمَشْهَد بمَارِدِين.

قُلتُ: شَاهَدْتُ المَشْهَد المَدْفُون بهِ دُبَيْس، وهو من غَرْبيّ مَدِينَة مَارِدِين وقِبْليّها دَاخِل البَلَدِ؛ بنتْهُ بنتُ إيلْغَازِي بن أُرْتُق زَوْج دُبَيْس، ونَقَلَتْهُ من خُوَيّ فدَفَنتهُ بهِ.


(a) كذا في الأصل.
(b) كذا في الأصل، ولعله: وقال لصحبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>