للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: نَشَأتُ وحَفِظتُ القُرآنَ، وسَمِعْتُ الحَدِيْثَ، وكُنْتُ أتَبَزَّز (١)، فوَافَاني رَجُلٌ من تُجَّار البَحْر، فقال لي: أنتَ دَعْلَج بن أحمد؟ فقُلتُ: نعم، فقال: قد رَغبْتُ في تَسْليم مالي إليك للتِّجَارَةِ (a) لتَتَّجِرَ به، فما سهَّل الله من فَائِدَةٍ كانت بيننا، وما كان من جَائِحةٍ كانت في أصْلِ مالي، وسَلَّم إليَّ بارنامَجات (٢) بألف ألف دِرْهَم، وقال لي: ابسُط يدَكَ، ولا تَعْلَم مَوضِعًا يَنْفُقُ فيهِ هذا المَتَاعُ إلَّا حَملَتَهُ إليه، واسْتَنْبِت (b) فيه الكُفَاةَ، ولَم يَزَل يَتَردَّدُ إليَّ سَنَةً بعدَ سَنَةٍ يَحْملُ إليَّ مثل هذا والبضَاعَةُ تَنْمَى، فلمَّا كان في آخِر سَنَةٍ اجْتَمَعنا فيها، قال لي: أنا كَثِيْرُ الأَسْفَار في البَحْر، فإنْ قَضَى اللهُ عليَّ بما قَضَاهُ على خَلْقهِ فهذا المالُ لك على أنْ تَصَّدَّقَ منه، وتَبْني المَسَاجِدَ، وتَفْعَلَ الخَيْر.

فأنا أفْعَلُ مثل هذا، وقد ثَمَّرَ اللهُ المالَ في يَدِي، فأسْألكَ أنْ تَطْوِي هذا الحَدِيْثَ أيَّامَ حَيَاتي.

أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن مُعَمَّر البَغْدَاديّ، فيما أَذِنَ لنا في روَايَته عنْهُ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن خَيْرُون، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عليّ (٣)، قال: وحَدَّثَني أبو بَكْر مُحَمَّدُ بن عليّ بن عَبْدِ الله الحَدَّاد، وكان من أهْلِ الدِّين والقُرْآن والصَّلَاح، عن شَيْخٍ سَمَّاهُ، فذَهَبَ عنِّي حِفْظُ اسْمِهِ، قال: حَضَرتُ يَوْم الجُمُعَة (c) مَسْجِد الجَامِع بمَدِينَة المَنْصُور، فرَأيتُ رَجُلًا بين يَديّ في الصَّفِّ، حَسَنَ الوَقَار، ظَاهِرَ الخشُوع، دَائِمَ الصَّلاةِ، لم يَزَل يَتَنفَّل مُذْ دَخَلَ المَسْجِدَ إلى قُرْب قيَام الصَّلاةِ، قال: ثمّ جَلَسَ، قال: فعَلَتْني هَيْبَتُهُ ودَخَلَ قَلْبي مَحَبَّتُهُ، ثمّ


(a) ساقطة من تاريخ بغداد.
(b) في الأصل مجودًا: واسْتَبَنْتَ، والمثبت من تاريخ بغداد.
(c) تاريخ بغداد: يوم جمعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>