للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُقِيْمَتْ الصَّلاةُ فلَم يُصَلِّ مع النَّاسِ الجُمُعَة، فكَبُرَ ذلك عليَّ من أمْره، وتَعَجَّبْتُ من حَالهِ، وغَاظَنِي فعْلُهُ.

فلمَّا قَضيْتُ الصَّلاةَ تَقَدَّمْتُ إليهِ، وقُلْتُ لهُ: أيُّها الرَّجُل، ما رَأيْتُ أعْجَبَ من أمْركَ! أطَلْتَ النَّافلَةَ وأحْسَنْتها، وتَرَكتَ الفَرِيْضَة وضَيَّعْتَها؟ فقال: يا هذا، إنَّ لي عُذرًا وبي علَّةٌ مَنَعتني من (a) الصَّلاةِ، قُلتُ: وما هي؟ قال: أنا رَجُلٌ عليَّ دَيْنٌ، اخْتفَيْتُ في مَنْزِلي مُدَّةً بسَبَبهِ، ثُمَّ حَضَرْتُ اليَوْم الجَامِع للصَّلَاةِ، فقَبْلَ أنْ تُقام الْتفَتُّ فرَأيْتُ صَاحِبي الّذي له عليَّ الدَّيْن، ورآني (b) فمن خَوْفه أحْدَثتُ في ثِيَابي! فهذا خَبَري، فأسْألك بالله (c) إلَّا سَتَرْتَ عليَّ وكَتَمتَ أمْري، قال: فقُلْتُ: ومَنْ الّذي له عليكَ الدَّيْن؟ قال: دَعْلَج بن أحْمَد، قال: وكان إلى جَانبِهِ صَاحِبٌ لدَعْلَج قد صَلَّى وهو لا يَعْرفُه، فسَمِعَ هذا القَوْل، فَمَضَى في الوَقْتِ إلى دَعْلَج فذَكَرَ له القِصَّةَ، فقال له دَعْلَجِ: امْضِ إلى الرَّجُل واحْمِلْهُ إلى الحَمَّام، واطْرَح عليه خِلْعةً من ثِيَابي، وأجلِسْهُ في مَنْزِلي حتَّى انْصَرفَ من الجَامِع، ففَعَل الرَّجُلُ ذلك، فلمَّا انْصَرَفَ دَعْلَجُ إلى مَنْزِلهِ، أمَرَ بالطَّعَام فأُحْضِر، وأكَلَ هو والرَّجُل، ثُمَّ أخْرَج حِسَابَهُ فنَظَر فيه، وإذا له عليه خَمْسَة آلاف دِرْهَم، فقال: له انْظُر لا يكون عليكَ في الحِسَاب غَلَط أو نُسِي لك نَقْده؟ فقال الرَّجُل: لا، فضَرَبَ دَعْلَج على حِسَابهِ، وكَتَبَ تحتَهُ عَلَامةَ الوَفَاء، ثُمَّ أحْضَرَ المِيْزَان ووَزن خَمْسَة آلاف دِرْهَم، وقال له: أمَّا الحِسَابُ الأوَّلُ فقد حَلَلْناكَ فيما بيننا وبينَك فيه، وأسْألُكَ أنْ تَقْبَل هذه الخَمْسَة آلاف دِرْهَم، وتَجْعَلَنا في حِلٍّ من الرَّوْعةِ الّتي دَخَلَت قَلْبَك برُؤيَتِكَ إيَّانا في مَسْجِد الجَامِع، أو كما قال (١).


(a) تاريخ بغداد: عن.
(b) تاريخ بغداد: الذي له الدين عليَّ ورائي.
(c) الأصل: به.

<<  <  ج: ص:  >  >>