للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَاليًا على الثُّغُور، وعَزَلَ عنهم الأعْرَج. ذَكَرَ ذلك ابنُ أبي الأزْهَر والقُطْرُبُّلِيّ في تَارِيْخهِما الّذي اجْتَمَعا على تأليْفه.

وذَكَرَ أبو مُحَمَّد الحَسَنُ بن إبْرَاهيم بن زُوْلَاق فيما قَرأتُه في سِيْرَة أبي الجَيْشِ خُمَارَوَيْه بن أحْمَد بن طُوْلُون (١)، قال: وفي هذه السَّنَة في صَفَر منها -يعني سَنَة ثَمانٍ وسَبْعِين ومَائتَيْن- ماتَ أبو أحْمَد المُوَفَّق، وعُقِدَ العَهْد لابنه أبي العبَّاس، وكان للمُوَفَّق غُلَام خَادِم من جِلَّةِ غِلْمَانه يُعْرَفُ بَراغِب، فلمَّا مَاتَ مَوْلاهُ أحْزَنه مَوْتُه، فأحبَّ أنْ يَسْكُن طَرَسُوس، فاسْتَأذن في ذلك، فأُذِنَ له، فَخَرجَ قَاصِدًا يُريد الثَّغْر، وكان خُمَارَوَيْه يَوْمئذٍ بدِمَشْق، فلمَّا بَلَغَ رَاغِب إلى حَلَبَ، وهمَّ بالدُّخُول إل طَرَسُوس قيلِ له: طَرَسُوس من عَمَل أبي الجَيْش، وهو بالقُرْبِ منك، فلو صرْت إليهِ زَائِرًا وقَضَيْتَ حَقّهُ، وعَرَّفتَهُ ما عزمْتَ عليه من المقام بالثَّغْر ما ضرَّك ذلك، وكان أجَلَّ لمَحلِّك، وأقْوَى لك على ما تُريدُه، فبَعَثَ بثَقَله وجميع ما كان معه معِ غُلَام له يُعْرَفُ بمَكْنُون وأمَرَهُ أنْ يتقدَّمَهُ إلى طَرَسُوس، ورحَلِ هو مُخفًّا إلى دِمَشْق، فلقي أبا الجَيْش، فأحْسَن أبو الجَيْش تَلقِّيه، وسُرَّ بنَظره، ووَصَلَهُ وأحْسَن إليه، وكان يُكثر عنده ويُحَادثهُ، وكانت لرَاغِب عَارِضَةٌ وبَيَان وحُسْن عِبَارَة، وكان قد رَأى الخُلَفَاءَ، وعَرِفَ كَثِيْرًا من أخْبَارهم، فكان يَصِلُ مَجْلسَهُ بشيءٍ من أخْبَارهِم وسِيَرهمِ، فأَنِسَ به خُمَارَوَيْه، وكان يَسْتَريح إلى حَدِيثهِ ومُذْاكرته، فلمَّا رَأى رَاغِبُ ما يَخُصُّه بهِ خُمَارَوَيْه من التَّكْرِمَة والأُنْسِ بهِ والاسْتِدْعَاء إذا تأخَّر اسْتَحْيَا أَنْ يَذْكُر له الخُرُوج إلى طَرَسُوس.

فلمَّا طَالَ مقامه بدِمَشْق، ظَنَّ مَكْنُون غُلَامه أنَّ أبا الجَيْشِ قد قَبَضَ عليه ومَنَعَهُ من الخُرُوج إلى الثَّغْر، فأذَاعَ ما ظَنَّهُ عند المُطَّوِّعَة وشَكَاهُ إليهم، وأكْثَرُ


(١) لم يذكر ابن الساعي هذا الكتاب ضمن مؤلفات ابن زولاق، وهو كتاب مفقود. الدر الثمين في أسماء المصنفين ٣١٧ - ٣١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>