للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هؤلاءِ المُطَّوِّعَة من أهْلِ الجَبَل وخُرَاسَان، معهم (a) غِلَظ الأعْجَميَّةِ، وسُوء أدَبِ الصُّوْفيَّة، فأحْفَظَهم هذا القَوْل وظَنُّوه حَقًّا، فقالُوا: تَعْمد إلى رَجُلٍ قد خَرَجَ إلى سَبِيْل الله مُحْتَسِبًا نَفْسَهُ لله عزَّ وجلَّ؛ وفي مقَام مثْلهِ في الثَّغْر قُوَّة للمُسْلِمين، وكَبْتٌ لأعْدَائهمِ من الكَافِرين، فتَقْبض عليه وتَمْنَعُه من ذلك جُرَأة على الله، ولَفَّفُوا وتَجَمَّعُوا ومشَى بعضُهم إلى بعضٍ، وأقْبَلُوا إلى وَاليهم، وهو ابنُ عَمِّ خُمَارَوَيْه، فشَغَبُوا عليه، فأدْخَلَهُم إليهِ ليُسَكِّن منهم، [ويُجيبهم لِمَا] (b) يُحبُّون، فقَبَضُوا عليه وقالُوا: لا تَزَال في اعْتِقَالنا أو يُطْلقِ [خُمَارَوَيه] (c) صَاحِبَنا، فإنْ قَتَلَهُ قَتَلْناك به، وتَسَرَّعَ سِفَلُهُم إلى دَاره فنُهِبَت وهُتكت حَريمُهُ، ولحَقَهُ كل ما يَكْره، وجَاءتِ الكُتُب إلى أبي الجَيْشِ بذلك، فأحْضَرَ رَاغِبًا وأقْرَأهُ الكُتُبَ، وقال له: واللَّهِ ما مَنَعناكَ ولا حَظَرْنا عليك الخُرُوج، ولقد سُرِرنا بقُرْبك وما أَوْلَيْتَ وأوليْناكَ إلَّا جَمِيْلًا، وقد جَنَى علينا سُوء ظَنِّ غُلَامكَ ما لَم نَجْنهِ، فإذا شئْتَ فارْحَل مُصَاحبًا، وقُلْ لأهْلِ طَرَسُوس: يا جَهَلَة، ما يَوْمنا فيم بواحدٍ؛ تَتَسَرَّعُونَ إلى ما نَكْره مَرَّةً بعد أُخْرى، ونُغْضِي عنكم، ويَحْكم (d) الله عزَّ وجلَّ، ولولا المُحَافَظة على ثَغْرِ المُسْلمِيْن وعِزّ الإسْلَام لا خَشْيَةً منكم ولا من كَثْرتِكُم، وإلى الله الشَّكْوَى، ولولا الخَوْفُ من غَضَبه عزَّ وجلَّ، لجَازَيْناكُم على أفْعَالكُم.

فوَدَّعَهُ رَاغِب، ورَحَلِ إلى طَرَسُوس، فلمَّا صَحَّ عند أهْل طَرَسُوس خَبَر رَاغِب أطْلَقُوا عن مُحَمَّد بن مُوسَى بن طُوْلُون، فلمَّا أُطْلقِ قال: [قَبَّح الله جوَاركُم] (e)، ورَحَلَ عنهم فسَكَنَ بَيْت المَقْدِس، وكان له دِيْنٌ، وفيه خَيْرٌ كَثِيْرٌ.


(a) كذا في الأصل، ولعل الأظهر: فيهم.
(b) طمست الرطوبة ما بين الحاصرتين، والمثبت على التقريب.
(c) كلمة أفسدتها الرطوبة، والمثبت على التقريب.
(d) الأصل: ويحلم!.
(e) ما بين الحاصرتين أفسدته الرطوبة، وانظر: ابن الأثير: الكامل ٧: ٤٥٠، ابن خلدون: العبر ٦: ١٣٩ - ١٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>