للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخْبرَني أبو مُوسَى عِيسَى بن سَلامَة بن سُلَيم بن عَبْد الوَارِث الحَضْرَميّ الحِمْيَرِيّ، قال: كُنْتُ سَمِعْتُ أنَّ الشَّيْخ رَبِيْع بن مَحْمُود أُمِّيٌّ لا يَعْرِفُ الخَطَّ، وأنَّهُ يَقْرأ القُرْآن في المُصْحَفِ، فجِئتُ يَوْمًا إلى موضِعهِ الّذي يَقْرأ فيه القُرْآن، فتَوَارَيْتُ عنه، فسَمِعْتُهُ يَقْرأ سُوْرة الفَتْحِ ويُؤدِّىِ أداءً حَسَنًا كأنَّهُ مارَسَ القراءَةَ ومَهَرَ فيها! فسَلَّمْتُ عليه، وقُلتُ: على مَنْ قرأتَ؟ فقال لي: على الّذي أنْزَلَهُ، فقُلتُ: هذا أجْدَرُ أنْ تُخْبرني به، فأطْبَقَ المُصْحفَ، وقال لي: كُنتُ بالمَدِينَة، على سَاكنها السَّلام، أعْمَل بالفَاعِل وأسْقي بالقِرْبَة، وما يَحْصُل لي في النَّهَار أعْمَل به جَفْنَة للفُقَراءِ مُدَّة اثْنَتي عَشرة سَنَةً، ولمَّا كان بعد ذلك جَعَلتُ أرَى كُلّ مَنْ ألْقَاهُ يُكَلِّمُني بكَلَام حِكْمَة من الطَّيْر والدَّوَابّ والجَمَاد والحِيْطَان وغيرها، فشَقّ عليَّ ذلك، وقُلْتُ: لا أُطِيْقُ حَملَ هذا لأنَّني لا أُحْسِن الكتابةَ، فوَقَع لي أنْ آتي النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأشْكُو إليهِ ما نَزَل بي، فجِئْتهُ وشَكَوتُ إليهِ، ونمْتُ فرَأيْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم في المَنَام، وقال لي: يا رَبِيْع، ادْعُ الله تعالَى أنْ يُسَهِّلَ عليك قراءةَ القُرْآن في المُصْحَفِ فهي أفْضَل العِبَادَة، فقُمْتُ وتَوَضَّأتُ وجِئْتُ إلى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم وصَلَّيْتُ رَكْعَتَين عنده، ودَعَوتُ الله بما أمَرَني به الرَّسُول صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ونمْتُ فرَأيْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقال لي: يا رَبِيْعُ، افْتَح المُصْحَفَ واقْرأ، فأخَذْتُ مُصْحَفًا كان عندي ففَتَحْتُه، وجَعَلْتُ أتَتبَّع سُوَرَهُ، ويَقَع لي أنَّ هذه الكَلِمَة: الحَمْدُ، والأُخْرى: لله، وما بَعْدها كذلك إلى أنْ خَتَمْتُ القُرْآن جَمِيْعَهُ. قال: وصَارَت عبادتَهُ بعدَ ذلك إلى أنْ ماتَ رَحِمَهُ اللهُ.

حدَّثَني الشَّيْخُ أبو الحَجَّاج يُوسُف بن أبي طَاهِر بن عليّ الجَزَرِيّ المَعْرُوف بالمُلَقِّن، قال: كان الشَّيْخُ رَبِيْع بن مَحْمُود المَارِديْنيّ (a)، قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ، لا يَدَّخِر لغَدَاءٍ من عَشَاءٍ، ولا لعَشاءٍ من غَداءٍ، وكان لا يُفْطِر في كُلِّ شَهْر غير يَوْم أو


(a) الأصل: الماردي.

<<  <  ج: ص:  >  >>