للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال فَقِيْرٌ من الجَمَاعَة: وتريدُون ذلك؟ فقُلْنا: نعم، فمَضَى وتَوَارَى عنَّا، فجاءَنا برُطب رَطْبٍ وما على الأرْض رُطْبَةٌ واحدةٌ، فأكَلْنا (a).

أنْشَدَني أبو الحَجَّاج يُوسُفُ بن أبي طَاهِر بن عليّ الجَزَرِيّ الكُرْديُّ، قال: سَمِعْتُ الشَّيْخ رَبِيْع يُنْشد هذين البَيْتَيْن ونحنُ سَائرُونَ من مَكَّة إلى المَدِينَةِ، ولَم نَسَمعْهُ يُنْشدُ غيرهما، وكان لا يَرَى إنْشَاد الشِّعْر ولا سَمَاعَهُ، وإذا سَمِعَ أحدَنا يُنْشِد بَيْتًا يُنْكِر عليه، والبَيْتان: [من الطويل]

لَيَالٍ وأيَّامٌ تَمُرُّ خَوَاليًا … من الوَصْلِ ما فيها لِقاءٌ ولا وَعْدُ

إذا قُلْتُ هذي مُدَّةٌ قد تَصَرَّمَتْ … أتَتْ مُدَّةٌ أُخْرى تَطُولُ وتَمْتدٌ

أخْبَرَني الشَّيْخ أبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّد بن أبي سَعْد الحَلَبِيّ، قال: كان الشَّيْخ رَبِيْع من أهْلِ مَارِدِين، وحَكَى لي أنَّهُ مَضَى إلى البَيْت المُقَدَّس ليزُورَهُ، وهو إذ ذاكَ في يَدِ الفِرِنْج، قال: وكنت أعيْشُ من عَمل الفَاعِل، وكُنْتُ أعْرف بمَارِدِين جَمَاعَةً من النَّصارَى، فنَزْلْتُ عندَهُم في القُدْس، وكُنْتُ أعْملُ عند الرُّهْبَان لأنَّهم لا يَمْنعُوني الصَّلاةَ، وكُنْتُ أقْتَاتُ ممَّا يَحْصُل لي من الأُجْرَة، وآخُذ ما يَفْضُل لي من الأُجْرَة وأزُور به الصَّخْرَةَ، وأَزِنُ للَّذي يَجْلِسُ على باب الصَّخْرَة لأخْذ الجُعْل من المُسْلمِيْن قَرْطيسًا في كُلِّ مرَّة، وكُلَّما فَضَل لي شيء فَعَلْتُ به هكذا، ودَخَلْتُ إلى الصَّخْرَة وزُرْتُ وصَلَّيْتُ، فكُنْتُ في بعضِ الأوْقَات لا أجِدُ شيئًا فجئتُ إليه يَوْمًا وليسَ معي شيء، فقال: هَاتِ، فقُلتُ: ما معي شيء، فقال: ادخُل، فأنْكَر عليه النَّصارَى، وقالُوا له: كيفَ تَتْرك هذا الرَّجُل يَدْخُل ولا تأخُذُ منه شيئًا؟ قال: فقال: إنَّهُ كان يُؤدِّي الّذي يُؤدِّيهِ من وَسْط قَلْبه، فلو كان معه شيء لأدَّاهُ؛ فلهذا تَرَكتُهُ.


(a) بعده في الأصل بياض قدر نصف الصفحة، وقدر سطرين من الصفحة بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>