فسَألْنَاهُ -بعدَ أنْ طُفْنا بالبَيْت وسَعيْنا- عن ذلك، وقُلْنا: إنَّ هذا لعَجَبٌ؛ قُلْتَ لنا: بَيِّتُوا فقد تُهْنَا، ثمّ بَدَا لكَ فسرْت بنا فجئنا على العَادَة ولَم نَتُه عن الطَّريق؟! فقال: لمَّا قُلْتُ لكم: قفُوا، اشْتَبَه عليَّ الطَّريق فقُلْتُ لكم ذلك، فبعدَ سَاعةٍ رَفَع اللهُ البَيْتَ لي حتَّى علا على جَمِيع الجِبَال فوَقَع نَظَري عليه فقَصَدْتُه ولَم أزَل أؤُمّه حتَّى وَصَلْنا.
أخْبَرَني عَمِّي أبو غَانِم مُحَمَّد بن هِبَة الله بن أبي جَرَادَة، والأَمِير عليّ بن سُلَيمان بن أَيْدَاش بن السَّلَّار، قالا: قال لنا الشَّيْخُ رَبِيْع: كُنْتُ بمَسْجِد النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَاعِدًا وجَاء رَجُلٌ تُرْكيٌّ من أتْرَاك المَدِينَة إلى فَقِيْر فىِ المَسْجِد يَسْتَفْتيه، فقال له ذلك الفَقِيْر: امْضِ إلى الشَّيْخ رَبِيْع فهو علي مَذْهَبك، يُريدُ أنَّهُ حَنَفِيّ المَذْهَب، فجاءَ إليَّ، فقال: إنَّ رجُلًا من الزَّيْدِيَّةِ له بنْتٌ، وقد سَافَر عنها زَوْجها أو غَاب، وهم يُريدُون يَفْسَخُون النِّكَاح ويُزوِّجُوني بها، فهلِ يَجُوز ذلك لي؟ فقال له الشَّيخ رَبِيْع: قد ذَكَرَ أبوِ الحُسَين القُدُورِيّ فيِ مُخْتَصَره أنَّهُ لا يَحلّ ذلك حتَّى يَبْلغ مائةً وعشرين سَنَةً من يَوْم وُلد وبعد ذلك تُزَوَّج. فقال: فأنا أفْعَل ذلك.
قال الشَّيْخُ رَبِيْع: فلمَّا انْفَصَل عنِّي أخَذَني حَيَاءٌ وخَجَلٌ من النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمِ، وقُلتُ: مَنْ أنا حتَّى أفْتي بمَحْضَرٍ من رسُول الله صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أمِنَ الفُقَهَاء أنا أم من المُفْتِين؟ والله ما هذا إلَّا جُرْأةٌ عَظِيمَةٌ، وأخَذَني حَياءٌ عَظِيم وخَجَلٌ، فنمتُ وأنا قَاعِدٌ، فرَأيْتُه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يَقُول لي: أفْلَحْتَ دُنيا وآخرة، لو لَم تَعْرف من العِلْم إلَّا هذه المَسْألَهَ لكفَتْكَ، قال: فاسْتَيْقَظتُ فسَمِعْتُه يقُول لي وأنا مُسْتَيقظٌ: أفْلَحْتَ دُنْيا وآخرة، لو لَم تَعْرف من العِلْم إلَّا هذه المَسْألَة لكفَتْكَ، قال: فطَابَ قَلْبي، وزَال عنِّي ما كُنْتُ أجِدُه.
قال لي عَمِّي أبو غَانِم: قال لي الشَّيْخُ رَبِيْع: كُنْتُ في طَرِيق مَكَّة ولَحِق النَّاسَ عَطشٌ شَديدٌ، وكان معي إدْوَاةٌ مَلأى من الماء، فرَأيْتُ اثْنين من الصُّوْفيَّة