وهمُا مَاشِيان وقد اسودَّت وُجُوههما من شِدَّة العَطَش، فقُلْتُ لهما: تُريدان الماءَ؟ فقالا: نَعَم، فنَاولتهما الإدْوَاةَ وقُلتُ: اشْرَبا منها وخَلِّيَا لي منها، فأخَذَاهَا فشَرِبا ما كان فيها جَمِيعَهُ، ثُمَّ دَفَعاها إليَّ فأخَذْتُها وربَطتُها على الجَمَلِ، فلمَّا نَزَل الحَاجُّ أخَذْتُها وحَلَلْتُها فإذا هي مَلْأى من الماءِ.
أخْبرَني أبو مُوسَى عِيسَى بن سَلامَة الحَضْرَميّ، قال: سَافَرْتُ سَنَة سَبْعٍ وتِسْعِين وخَمْسِمائَةٍ إلى بلاد المَغْرب، فأقَمتُ بها سَنَةً، ثمّ خَرَجْتُ إلى الإسْكَنْدَرِيَّة، فلمَّا قَرُبْتُ من الإسْكَنْدَرِيَّة، رَأيْتُ في المَنَام كأنَّ الشَّيْخ رَبِيْع في الإسْكَنْدَرِيَّة، وقد فَتَح طَاقًا على البَحْر فدَعَا وقال في أثْناء دُعَائهِ: كَتَبَ اللهُ سَلامَتك يا عِيسَى، فبعدَ يَوْمَيْن أو ثلاثةٍ وَصَلْتُ إلى الإسْكَنْدَرِيَّة، وسَمِعْتُ أنَّ الشَّيْخ رَبْيِع فيها، فخَرَجْتُ إليه، وسَلَّمْتُ عليه، وقُلْتُ لهُ: رَأيتُكَ في المَنَام البَارِحَة الأُولَى وقد فَتَحْتَ الطَّاق ودَعَوْتَ بكَذَا وكَذا؟ فقال لي: نَعَم؛ كَذَا جَرَى! ثمّ قَدَّم لنا طَعَامًا فيه سَمَكٌ، ولَم يكُن له عادة بأكْل السَّمَك، فقُلتُ لَهُ: أرَاك تَأكُل السَّمَك ولَم يكُن لك بذلك عادةٌ؟ فقال لي: كُنْتُ في هذا العام بالبَيْت المُقَدَّس، فخَرَجَ على قَلْبي طُلُوعٌ، ولم يَزَل يَكْبُر إلى أنْ صَارَ قَدْر الأُتْرُجّةِ الصَّغيرة، فضيَّق عليَّ فنمتُ، فرَأيْتُ قَائلًا يقُول لي: إنْ أرَدْتَ أنْ يَزُول هذا عن قَلْبك فكُل السَّمَك؛ رَأيت ذلك مَرَّتَين أو ثلاثة، فعزمتُ على أكْلِ السَّمَك، وقُلتُ: لا أسْأل أحدًا فيهِ، إنْ قُدِّمِ بين يَدي أكَلْتُه وإلَّا فلا أسْأله، فأقَمْتُ شَهْرَين بالبَيْت المُقَدَّسِ إلى أنْ وصَلَ رَجُلٌ صَالِحٌ، فعَزَم عليَّ بالتَّوَجُّهِ إلى الدِّيَار المِصْرِيَّة، فرَحَلْتُ معه إلى الدِّيَار المِصْرِيَّة، ونَزَلتُ عند ابن السُّكَّرِيّ، ومن عَادَتهم أَنْ يَعْملُوا لي طَعَامًا ليس فيه سَمَكٌ ولا لَحْمٌ، فصَنَعُوا لي أرُزًّا بلَبَن، فلمَّا جاء صَاحِب المَنْزل بعد العِشَاءِ الآخرة، طَلَب الأرُزّ، وكان قد جَاء إلى المَرْأهَ هَدِيَّة زِبْدِيَّة فيها سَمَكٌ مَطْبُوخِ، فوَضَعَتْها إلى جَانب زِبْدِيَّة الشَّيْخ الّتي فيها الأَرُز، فَطَفِئ السِّرَاج، فأرَادَت أنْ تدْفعَ إليه الأَرُزَّ