فدَفَعت إليهِ زِبْدِيَّة السَّمَكِ، فلمَّا دَخَلَ إلى الشَّيْخ وَضَعها بينَ يَدَيْهِ، فكَشَفها فإذا فيها السَّمَك، فخَجَل صَاحِبُ البَيْت، وقال: واللهِ ما تَعَمَّدتُ ذلك، ولا عَلِمتُ أنَّ في الدَّار سَمَكًا، وأرادَ أنْ يأخُذ زِبْديَّة السَّمَك ويَرْفَعَها، فقال له الشَّيْخ: دَعْها وامْضِ وارْفَع الخُبْز، ووَجَد فيها السَّمَك، فأكَلَهُ وشَرِب مَرَقتَهُ ونَام. قال الشَّيْخُ: فرَأيْتُ ذلك الشَّخْصَ الّذي رَأيتُه فيِ بَيْت المَقْدِس في النَّوْم وقال: يا شَيْخ رَبِيْع، ألَم أقُل لك إنَّك إذا أكَلْتَ السَّمَك برِئ هذا الدَّاء، فانْتَبَهْتُ فأمْرَرتُ يَدي على صَدْري فلم أجد شيئًا.
قال لي أبو مُوسَى الحَضْرَميّ: ثُمَّ سَألتُ الشَّيْخِ رَبِيْع: ما رأيتَ فىِ خَلْوَتك هذه؛ وكان فىِ الخَلْوة خَارِج الإسْكَنْدَرِيَّة أربَعيْن يوْمًا؟ فقال لي: كُنْتُ يَوْمًا جالِسًا اقْرأُ القُرْآن فىِ المُصْحَفِ وإذا بغُلَام صَاحِب المَوضِع قد دَخَل عليَّ بِطَبَقٍ فيه مَشْمُوم نَارَنْج وليَمْوُن ورَيْحَان، فنَظَرتُ إليه، وتَرَكْتُ النَّظَر في المُصْحَف فعميتُ ولَم أرَ شيئًا! وكان زمَن الصَّيْف، فبَقِيتُ كذلك من بُكْرة ذلك اليَوْم إلى الزَّوَال، وما عَلِمْتُ من أين أتيتُ. فلمَّا كان عند الزَّوَال وَقَعَ لي أنَّ ذلك عُقُوبَة تَرْك النَّظر إلى المُصْحَف والنَّظَر إلى ذلك الطَّبَق، فكَشَفْتُ رَأسِي وسَجَدْتُ وجَعَلْتُ أتضرَّعُ إلى الله تعالَى، فأبْصَرتُ ورَفَعْتُ رَأسي، فرَأيْتُ الشَّمْس زَالت، فتَوضَّأتُ وصَلَّيْتُ.