سَمِعْتُ القَاضِي جَمال الدِّين أبا عَبْد الله مُحَمَّد ابن شَيْخنا الإمَام عبد الرَّحْمن بن عَبْدِ الله بن عُلْوَان يَقُول: سَمِعْتُ الشَّيْخ رَبِيْع يقُول لي: لا شَكَّ أنَّ طَبْع البَشَرِيَّة يَغْلبُ الإنْسَانَ في كَثِيْرٍ من الأحْوَالِ؛ فإنَّني أحْكي لك أنَّني كُنْتُ نائِمًا بمَكَّة، فرَأيْتُ كأنَّني رَاكِبٌ في البَحْر على سَاحِل الشَّام، أقصدُ زيارةَ بعضِ الَأمَاكن، وكأنَّ المَرْكَب الّذي كُنَّا بهِ قد انْكَسَرت رِجْلُه، ولم يكُن معنا رِجْلٌ، فخِفْنا وكِدْنا نَغْرَق، ودَعَونا الله تعالَى، وغَلَب اليَأسُ علينا، وإذا بمَرْكَبٍ قد لَاح لنا وأقْبل، وجاء نَحونا يَمْشِي مُسْرِعًا حتَّى وَصَلَ إلينا، فأخْرَجُوا لنا رِجْلًا فعَمِلْناها لمَرْكَبنا، فسَلِمْنا.
قال: فانْتَبَهْتُ وقُلتُ: لأرْكَبنَّ البَحْرَ حتَّى أنْظُر ما يكُون من هذه الرُّؤْيا، قال: فجئتُ إلى سَاحِل جُدَّة، وطَلَبْتُ الرُّكُوبَ في بعضِ المَرَاكِب، فجَعَل أصْحَاب المَرَاكِب يَطْلبُونني، وكُلّ منهم يَطْلب أنْ أرْكَبَ معهم لحُسْن عَقِيْدتهم فيَّ، فرَكِبْتُ في بعض المَرَاكِب، وإذا به ذلك المَرْكَب الّذي عايَنْتُه في المَنَام بعَيْنهِ! قال: فسِرْنا في البَحْر، فانْكَسَرَت رِجْل المَرْكَب على [ما رَأيتُه] (a) في النَّوْم، ودَخَلَ الماءُ في المَرْكَب، وخِفْنا من الغَرَق، واسْتَولَى اليَأسُ عَلينا، وكُنْتُ كأحدهم، ولحقَني من الجُبْن والخَوْف كما لَحِقَ الباقين، مع ما ظَهَر لي من أوَائِل الأمر الّذي شَاهدتُه في المَنَام، قال: وجَعَلْتُ أَصِيح لصَاحِب المَرْكَب وهو على الصَّاري: انْظُر إلى هذه الجِهَة، وأنا أنْتَظر الفَرَج كما شَاهَدْتُ في النَّوْم، قال: فجَعَل
(a) ما بين الحاصرتين لم أتبيّنه في الأصل لفساده بالرطوبة، والمثبت على التقريب.