يَنْظُر إلى تلك الجِهَة ثُمَّ صَاحَ بعد سَاعةٍ: جاءَ الفَرَجُ، قد لَاح لنا مَرْكَبٌ، قال: فجاء المَرْكَبُ الّذي شَاهدْتُه في النَّوْم على الصِّفَة الّتي شَاهدتُها، وسَاقَ نَحْونا حتَّى وَصَلَ إلينا، وقد كدْنا نَهْلِكُ، وكان معهم رِجْلٌ دَفَعُوها إلينا فأصْلَحْنا بها مَرْكَبنا، وسَلِمْنا، وللهِ الحَمْدُ.
أخْبَرَني يُوسُف بن أبي طَاهِر المَنْبِجِيّ، قال: وَرَدَ الشَّيْخ رَبِيْع بن مَحْمُود من مَكَّة إلى حَلَب، وأقام بمَسْجِد جَمال الدِّين عمِّك أيَّامًا، ثُمَّ خَطَر للشَّيْخ أبي الحَسَن عليّ الفَاسِيّ والشَّيْخ رَبِيْع وعَمّك أبي غَانِم أنْ يمضُوا لزيَارة الشَّيْخ أبي زَكَرِيَّاء إلى دَيْر النَّقِيْرَة، فقَامُوا وخَرَجُوا، وخَرَجْتُ معهم ونحنُ أربعةٌ نَمْشي حتَّى بتْنَا بأقْذَار (١)؛ قَرْيَةُ وَالدِكَ، ثمّ قُمْنا منها وصَلَّينا الظُّهْر بحَاضِر طَيّءٍ، وأقَمْنا بها إلى العَصْر، ثُمَّ جِئنا إلى تَلّ بَاجر (٢) وَقْت المَغْرب، وكُنْتُ أَنا والشَّيْخِ رَبِيْع صَائِمَيْن؛ لأنِّي كُنتُ قد آلَيْتُ على نَفْسِي أنْ لا أُفْطِر حتَّى أخْتم القُرْآن، ولَم أكُن خَتَمْته بعد، فأتَانَا الفَلَّاحُونَ بطَعَامٍ، وجَاؤُوا في جُمْلَته بصَحْنٍ كَبير فيه بَطَّة وهم فَرحُونَ كيفَ قدَّمُوا لنا البَطَّة حتَّى نَأكُلها، فقال الشَّيْخُ رَبِيْع: كُلُوا ولا تَأكُلوا من هذه البَطَّة شَيْئًا! فامْتَثَلنا أمْرَهُ ولَم نَأكُل منها، وأنْفُسنا تَشْتَهيها، فقال الفَلَّاحُون: يا مَشَايخِ، كُلُوا فما هو لمَنْ خُبي (a) بل هو لمَن رُزِق، والْتَفَتَ الفَلَّاحُ الّذي جاء بها إلى رفِيْقه وقال: يا فُلَان، انْظُر إلى فعل ذلك الظَّالم، كيفَ ألْزَمَنا وكَلَّفَنا عمَل هذه البَطَّة وأحْوَجنا إلى أنْ نَحْتال في ثَمنها فلَم يَجْعَلَها الله في رِزْقه،