للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت في رِزْق هؤلاء السَّادَةِ، فلمَّا سَمِعْنا ذلك منهُ نَظَرَ كُلٌّ منَّا إلى صَاحِبه، وسَكَتَ، وحَمَدْنا الله تعالَى على ذلك، وعَلِمْنا أنَّ الشَّيْخ رَبِيْع كُوْشِفَ بذلك.

قال لي يُوسُف المَنْبِجِيّ: وحَجَجْتُ في بعض السِّنِيْن قَبْل أنْ يُفْتَح البَيْت المُقَدَّس بسَنةٍ، وكُنْتُ قد حَجَجْتُ مَاشِيًا في ذلك العامِ، واجْتَمَعْتُ بالشَّيْخ رَبِيْع بمَكَّة، ولَم يَشْعُر بي إلَّا وأنا نائم على باب قُبَّة الشَّرَاب، وكُنْتُ قد قيل لي إنَّهُ سَاكِنٌ بها، فرحَّب بي، وقال لي: أنْتَ رَفِيْقي إلى الشَّام بعد الوَقْفَة في هذه السَّنَة، فإنَّ في هذه السَّنَة الآتية يَفْتَحُ اللهُ البَيْت المُقَدَّس وبلاد الفِرِنْج! ولا تُعْلِم بذلك أحدًا.

فَخَرَجْتُ بعد قَضَاء الحَجِّ في صُحْبَتهِ، فلمَّا أشْرَفنا على دِمَشْق، نَزَلنا من

المَحَارة، وقال للجَمَّال: أنْتَ في حِلٍّ ممَّا فيها، وكان فيها أشْيَاء ممَّا يَحْتاج إليهِ،

وأقَمنا في دِمَشْق أيَّامًا، ثمّ صَعدْنا إلى طَبَرِيَّة، وقَدَّرَ اللهُ أنْ فُتِحَت القُدْس

والسَّاحِل في تلك السَّنَة، وحَضَرْتُ معه فُتُوح البِلَادِ كُلّها.

قال لي يُوسُف المَنْبِجِيّ: وكُنْتُ مُجَاوِرًا مع الشَّيْخ رَبِيْع في بعضِ السِّنِيْن، وأنا إذْ ذاك صَبِيٌّ، فاشْتَقْتُ إلى أهْلي، وقُلتُ: هذه السَّنَة أخْرُج إلى أهْلي إنْ جاءَني مَنْ أعْرف منهم، فلمَّا قُضِيَ الحَجّ ولَم أرَ أحدًا من أهلي ولا ممَّن أعْرفهُ من البِلاد، جئتُ في بعض الأيَّامِ وطُفْتُ بالبَيْتِ، وتقدَّمْتُ إلى الرُّكْن اليَمَانِيّ، وأنا آيسٌ من العَوْدِ إلى البِلَادِ في تلك السَّنَة، ففَتَح اللهُ عليَّ أنْ قُلتُ: يا رَبّ، إنْ رَزَقْتَني جَمَلًا أرْكَب، وخُبْزًا آكُل، وماءً أشْرَب، عُدْتُ إلى أهْلي في هذه السَّنَة وإلَّا أقَمْتُ بمَكَّة، وكان ذلك ضَحْوَة ذلك النَّهَار، وصَلَّيْتُ الظُّهْر في ذلك النَّهَار عند الشَّيْخ رَبِيْع، فالْتَفَتَ إليَّ، وقال لي: يا يُوسُف، قد حَصَّلْتُ لكِ جَمَلًا تَرْكب، وخُبْزًا تَأكُل، وماءً تَشْرَب، ولَم أُعْلِمْهُ بقَوْلي، والْتَفَتَ إلى بعضِ الجَمَّالين،

<<  <  ج: ص:  >  >>