أَيْلَة صُحْبَة الشَّيْخ رَبِيْع، فصَحِبْتُه، وأصَابَهُ الذَّرَبُ، وقَوِيَ عليه في الطَّريق، وجِئْنا إلى عَقَبَةِ أَيْلَة؛ وهي عَقَبةٌ مُشقّةٌ لا يَرْكب فيها أحدٌ، فلَم يمُكن الشَّيْخ رَبِيْع النُّزُول، وصَعدَ رَاكبًا على الجَمَل، والجَمَل الّذي تَحْته في العَقَبَة يَصْعَدُ به كأنَّه يَمْشِي في أرْضٍ سَهْلَةٍ! قال: ووَصَلْنا إلى قَبْر الخَلِيل عليه السَّلام وزُرْناهُ، ووَصَلْنا إلى البَيْت المُقَدَّسِ، واشْتَدَّ بهِ المَرَضُ وفَارقْتُه منه، فلمَّا وَصَلْتُ دِمَشْق وَصَلَني خَبَرُ وَفَاتهِ أنَّهُ تُوفِّي بالبَيْت المُقَدَّس في أواخر صَفَر أو أوَائل شَهْر رَبِيْع من سَنَة اثْنَتَيْن وستِّمائة.
قال لي عَمِّي أبو غَانِم: وبَلَغَني أنَّ الشَّيْخ رَبِيْع أوْصَى بأنْ يَتَولَّى غَسْله عليّ بن السَّلَّار، وكان ابن السَّلَّار بدِمَشْق، فتعَجَّب أصْحَابُه، وقالُوا: ابن السَّلَّار بدِمَشْق، فكيف يُغَسِّلُه!؟ فبينا هُم على ذلك وَصَلَ ابن السَّلَّار من دِمَشْق قُبَيْل مَوْته، فوَليَ غسْلهُ.
قال: ولمَّا احْتضر خَرَج أصْحَابُه من عنده فسَمعُوه من دَاخِل وهو يَقُول بانْزِعاجٍ: ألمِثْلي يُقال هذا، أَلمِثْلي يُقَال هذا؟ ثُمَّ سَكَت، ثُمَّ قال:{لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ}(١)، فدَخَلُوا إليه، فوَجَدُوهُ قد قَضَى نَحْبَهُ.
وقال لي الأَمِير عليّ بن سُلَيمان بن أَيْدَاش بن السَّلَّار، أمير الحَاجِّ الشَّامِيِّ: أوْصىَ الشَّيْخ رَبِيْع إليَّ في غَسْله وتَجْهيزه ودَفْنه، وكُنْتُ بدِمَشْق ولَمِ أعْلَم بذلك، فبَلَغَني خَبْرُ وُصُوله إلى البَيْت المُقَدَّس، فعَزَمْتُ على قَصْدِه، وجذَبني إليه جَاذِبٌ، فرَكِبتُ من دِمَشْق إلى البَيْت المُقَدَّس، واجْتَهدتُ في السَّيْر -وأظُنُّه قال لي: وَصَلْتُ في ثلاثة أيَّام- فلَحقْتُه قَبْل أنْ يَمُوت، فتَوَلَّيْتُ غَسْلَه وتَجْهيزَهُ ودَفْنَهُ، رَحِمَهُ اللهُ.