فقال لي: ماتَ الشَّيْخ أبو الحَسَن الفَاسِيُّ؟ فقُلتُ لَهُ: نَعَم، مَنْ أَخْبرك بهذا!؟ وكُنْتُ قد سَمِعْتُ بمَوْتِه من مَرَاكِب جَاءت في البَحْر، فقال لي: رَأيْتُ في المَنَام كأنَّ ثَنيَّتي العُلْيا قد سَقَطَتْ، فقُلتُ لَهُ: يُؤَوَّلُ هذا بالإخْوَة والآباءِ! فقال: أيّ أب أو أخٍ أعْظَم من الشَّيْخ أبي الحَسَن؟! ثمّ قال لي: قد قَرُبَ المَوْتُ يا أصْحَابنا، ما بَقِيْنا نَجْتَمع بعدَ هذه الوَقْفَة إلَّا في الدَّار الآخرة إنْ شَاءَ اللهُ.
ثمّ قال لي: كُنْتُ قد عزمْتُ على أنِّي لا أخْرُجِ وأنْ أصُوم السِّتَّة أيَّام أُتْبع شَهْر رَمَضَان، وما كُنْتُ فَعَلْتُ هذا قبل ذلك لأنَّ مَذْهَبي -وهو مَذْهَب أبي حَنِيْفَة رَضِيَ اللهُ عنهُ- أنَّهُ يُكْره صَوْمُها مُتَتابِعًا، فرَأيْتُ الشَّيْخَ أبا الحَسَن الفَاسِيَّ في المَنَامِ، وقال: لأيِّ شيءٍ رجَعْتَ عن مَذْهَبك وعَادَتكَ، قُمْ فاخْرُج إلى النَّاسِ، فقُمْتُ وخَرَجْتُ لمَّا سَمِعْتُ ضَرْبَكَ الباب.
قال لي عَمِّي أبو غَانِم: سَمِعْتُ الشَّيْخ رَبِيْع يَقُول: رَأيْتُ الشَّيْخ أبا زَكَرِيَّاء رَحِمَهُ اللهُ في المَنَامِ، فقال لي: يا رَبِيْع، أوَّل مَنْ يَمُوت منَّا: أنا، ثُمَّ الشَّيْخِ عليّ الفَاسِيّ، ثمّ أنْتَ! فَمَضَى لذلك قليل فمَاتَ الشَّيْخ أبو زَكَرِيَّاء، ثُمَّ إنَّ الشَّيْخ رَبِيْع قَدِمَ حلَبَ فوَجَد الشَّيْخ أبا الحَسَن مَرِيْضًا، فكان يقُول له: يا شَيْخِ، مُتْ حتَّى أمُوتَ أنا، فبَقِي الشَّيْخ عليّ بعد ذلك مُدَّةً ثمّ ماتَ بحَلَب، ثمّ ماتَ بعدَهُ الشَّيْخ رَبِيْع بعد مُدَّةٍ قريبةٍ بالبَيْت المُقَدَّس، رَحِمَهُم اللهُ تعالى.
حدَّثني عَمِّي أبو المَعَالِي عبد الصَّمَد بن هِبَةِ الله بن أبي جَرَادَة، وكان قد حَجَّ سَنَة إحْدَى وستِّمائة، قال: لمَّا وَصَلْتُ مَكَّةَ، حَرَسَها اللهُ، وجَدْتُ الشَّيْخ رَبِيْع في أواخر مَرض أشْفَى فيه على المَوْت، وأيس منهُ أصْحَابه، فرآهم مُنْزعجين بسَبَبهِ، وبَكوا حَوْله، فقال لهم: لا تشغلُوا قُلُوبكم فإنِّي لا أمُوت إلَّا في البَيْت المُقَدَّس، فلمَّا قَضَيْنا حَجَّنا، وكُنْتُ قد حَجَجْتُ على العِرَاق، عَرضْتُ على الشَّيْخ رَبِيْع أنْ أحْملَهُ إلى الشَّام، وعُدْتُ على طَرِيق أَيْلَة، وكان أكْثَر رَغْبتي في العَوْد على طَرِيق