للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا أرَادَ شَرًّا أمَرَ بتَسْليْمهِ إلى المُسَيَّب. فكَتَبَ العَامِلُ بفِلَسْطين يَذْكُر أنَّ بَعْض أهْلها وَثَبَ عليه، واسْتَغْوَى جَمَاعَةً منهم، فعَاثَ في العَمَل. فكَتَبَ إليه أبو جَعْفَر: دَمُكَ مُرْتَهَنٌ إنْ لَم تُوجِّه بهِ!. فصَمَدَ له العَامِلُ فأخَذَهُ، ووجَّه بهِ، فلمَّا مَثُل بينَ يَدي أبي جَعْفَر، قال: أنت المُتَوَثّبِ على عَامِلِ أَمِير المُؤْمنِيْن؟ لأنْثُرنَّ من لْحَمكَ أكْثَر ممَّا يَبْقَى على عَظْمكَ! فقال -وكان شَيْخًا كَبيرًا- بصَوْتٍ ضَئيل: [من الكامل]

أَتَرُوضُ عِرْسَكَ بعدَما كبرَت (a) … ومن العَناءِ رِيَاضَةُ الهَرَمِ

فقال يا رَبِيْعُ: ما يقُول؟ قال: يَقُول: [من البسيط]

العَبْدُ عَبْدُكُم والمالُ مالكُم … فهل عَذَابُكَ عنِّي اليَوْمَ مَصْروفُ

فقال أبو جَعْفَر: يا رَبِيْع، قد عَفَوتُ عنه، فَخلِّ سَبِيلَهُ، واحْتَفِظ بهِ، واحْسِن إليهِ.

قال (١): وهذا الشِّعْرُ لعَبْد بني الحَسْحَاسِ، كان مَوْلاهُ اتَّهَمَهُ بابْنَتهِ، فعَزَم على قَتْله، فقال هذا الشِّعْر، وأوَّلُهُ: [من البسيط]

أَمِنْ سُمَيَّةَ دَمْعُ العَيْن مَذْرُوفُ … لو أنَّ ذا منْكَ قَبْل اليَوْم مَعْرُوفُ

كأنَّها حين تبكى ما تكلِّمُنِي … ظَبْيٌ بعَلْيَاء سَاجِي الطَّرْف مَطْروفُ

لا تَبْكِ عَيْنُك إنَّ الدَّهْر ذو غِيَر … فيه يفرَّقُ (b) ذُو إلْفٍ ومَألُوفُ

العَبْدُ عَبْدُكُم والمالُ مالكُم … فهل عَذَابُك عنِّي اليَوْم مَصْرُوفُ

قال (٢): ولمَّا استَوْزَرَ المَنْصُورُ الرَّبِيْعَ، تركَ أنْ يَسْأله حاجةً تَخْفِيفًا؛ فقال له المَنْصُور يَوْمًا: قد انْقَبَضْتَ عن مُسَاءلتي حَوَائجِكَ حتَّى أوْحَشْتَني، فقال: ما


(a) الجهشياري وابن خلكان: هرمت.
(b) كتاب الوزراء: تَفَرَّقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>