للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَرَكتُ ذاك؛ أنَّى وَجَدْتُ لها غير أَمِير المُؤْمنِيْن! ولكنِّي مِلْتُ إلى التَّخْفيف، قال: فاعْرض عليَّ ما تُحبّ من حَوَائِجكَ، قال: حاجَتي يا أَمِير المُؤْمنِيْن أنْ تُحبّ الفَضْلَ ابني، قال: وَيْحَك! إنَّ المَحَبَّة لا تَقَعُ ابْتداءً، وإنَّما تَقَعُ بأسْبَابٍ، قال: قد أوْجَدَك اللهُ السَّبِيْلَ إليها، قال: وما ذاك؟ قال: تُنْعِم عليه، فإذا أنْعَمْتَ عليه أحبَّكَ، فإذا أحبَّكَ أحْبَبْتَهُ، قال: فقد والله حَبَّبتَهُ إليَّ قبل أن يَقَعَ من هذا شيء، ولكن كيف اخترتَ له المَحَبَّة من بين سَائِر الأشْيَاء؟ قال: لأنَّكَ إذا أحْبَبْتَهُ كَبُرَ عندَكَ صَغِيرُ إحْسَانهِ، وصَغُرَ عندَكَ كَبير إسَاءآتهِ، وكانت حَاجَاتهُ عندَك مَقْضيَّةً، وذُنُوبه عندكَ مَغْفُورةً.

قال الجَهْشِيَارِيّ (١): وكانت وَفاهُ المَهْدِيّ، والهَادِي مُقِيمٌ بجُرْجَان، وهَارُون مع المَهْدِيّ في عَسْكَره. وقد كان الرَّبِيْع قام بأمْرِ البَيْعَة ببَغْدَاد، وشَغَب الجُنْدُ عليهِ وأحْرَقُوا بابَهُ، ولَقي منهم شَرًّا إلى أنْ أعْطَاهُم أرْزَاق ثَمانية عَشَر شَهْرًا، وسَكَّنَهُم إلى أنْ وَرَدَ مُوسَى الهَادِي، وقد كان مُوسَى عتَبَ على الرَّبِيْع من أجْل ما أطْلقَهُ من المالِ واسْتَكْثَرَهُ، ولأنَّ الخَيْزُرَان وجَّهَتْ إليه وإلى يَحْيَى بن خَالِد، فأمَّا الرَّبِيْع فدَخَل إليها، وأمَّا يَحْيَى فامتنعَ من ذلك، وقال: أعرفُ الهَادِي غيُورًا وأكْرَهُ الإقْدَام على الدُّخُول إلى وَالدته، فعَتَبَ على الرَّبِيْع في دُخُوله، وأحْمَدَ من يَحْيَى امْتِنَاعَهُ، فوجَّه الرَّبِيْع بابنه الفَضْل مُتلَقِّيًا له إلى هَمَذَان، وحَمَلَ معه ألْطَافًا وهَدَايا، وأمْرَهُ بالاعْتِذَار إليهِ ممَّا أنْكَرهُ، وتَعْريفه السَّبَب الدَّاعِي إليه، فقَبِلَ هَدَاياهُ، ورجع له وتَجاوَزَ عن زلَّتهِ (a)، وقلَّدَهُ وِزَارتَهُ، وتَدْبِير أُمُوره وما كان عُمَرُ بن بَزِيع يَتَولَّاه من دَوَاوِيْن (b) الأزِمَّةِ.


(a) من قوله "وشغب الجند .. إلى هنا" لم يرد في نشرة كتاب الوزراء.
(b) الأصل: دَوَاين!.

<<  <  ج: ص:  >  >>