للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ كَتَبَ كَاتِب القَصيدَة تحت هذه الأبيَات شَرْحَها، وقال: هذا الخادِمُ هو أميرُ الأُمَرَاءِ رِفْق، أجَلَّ أُمَرَاءِ مِصْرَ، وَصَلَ في عَسَاكِر عَظِيمَةٍ بعد انْهِزَام الشَّيْخ ناصِر الدَّوْلَة ابن حَمْدَان عن حَلَب. وكان وُصُوله في سَنَة اثْنتين وأرْبعين وأرْبَعِمائة، ونَزَلَ على حَلَب، وعَمل عليه أصحَابُه، فظَفرَ به مُعِزُّ الدَّولةَ ثِمَال في صالح وأسَرَهُ مَجْرُوجًا، وانْهَزَمَت عَسَاكِرُه، وقَعَد ثَلاثة أيَّامٍ وماتَ.

قَرأتُ بخَطِّ أبي الحَسَن عليّ بن مُرشِد بن عليّ بن مُقَلَّد بن مُنْقِذ في تَارِيْخه: سَنَة إحْدَى وأرْبَعين وأرْبَعِمائة، فيها وَصَلَ أمير الأُمَرَاءِ أبو الفَضْل رِفْق؛ خَادم كان على المطَالب بمِصْر، في عَسْكَر عظيم، ومَضَى إلى حَلَب، ونزل مَسْجِدَ الجُفّ، فقيل: إنَّ الكَلْبيِّيْن دَاهنُوا عليه فأُشيْر عليه أنْ يَرْحل عنها إلى صِلْدع فلم يَفعَل، فأُشيْر عليه أن يقبض على أمَرَاءِ، طيءٍ فلم يَفعَل، فأشِير عليه أن يُنشِئ سجلًّا عن السُّلْطان بإقْطَاعَ مُعِزّ الدَّولَة الشَّام فما فَعَل، فلمَّا رآهُ أُمَرَاءُ العَسْكَرِ لا يقبل منهم انْهَزَمُوا مع العَسْكَر، وانْهَزَم العَسْكَر لمَّا رَأى رَحِيل أكْثره، وأتَوه أهْل حَلَب وبنو كلابٍ فأخذُوه، وضُرِبَ على رأسه فشُجَّ (a)، فماتَ بعد مُدَّة في القَلْعَة.

قال: وحَدَّثَني أبي، قال: سَمِعْتُ أنَّ هذا الخادم لمَّا أُطْلعَ إلى قلعَة حَلَب اسْتَعْظَموا خلقتَهُ وطُوْلَه، فكان بعض الفَرَّاشين يَخْدمهُ ويُكْرمه، فوَهَبَ له يَوْمًا سَرَاويلًا من سرَاويلاتهِ دَبِيْقِيَّة، ففصَّلَها الفَرَّاشُ له ثَوْبَيْن وسَرَاويل، أو سَرَاويليَن وثَوبًا (b) كما قال، وماتَ فدُفِنَ في مَسْجِد الجُفِّ، وأُخِذَ من العَسْكَر شيءٌ عظيمٌ من الأمْوَالِ والآلات والدَّوَابِّ وغير ذلك.

قال: ومَضَيْتُ أنا إلى حَلَب في سَنَة سَبعٍ وعشرين وخَمْسِمائَة، فَرأيْتُ مَسْجِدًا غير مَسْجِد الجُفِّ، فشَرِبنا منه، فقُلْنا: ما هذا؟ فقالوا: هذا مَسْجِد الخادِم رِفْق.


(a) في الأصل: فشجَّه! وقد بُني على مجهول.
(b) الأصل: وثوب، وفوقها "صـ".

<<  <  ج: ص:  >  >>