للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانَ مَوْلدُهُ بحَلَب في أيَّام وِلَايَة أبيهِ في سَنَة ثَمانين وأرْبَعِمائة، ورَبي بها، وكان في أوَّل أمْره مُضَافًا إلى آقْ سُنْقُر البُرْسُقِيّ، والبُرْسُقِيّ شِحْنَة بَغْدَاد، ووَلَّاهُ البَصْرَة، فلمَّا عُزِلَ البُرْسُقِيّ عن شِحْنَكِيَّة بَغْدَاد، فارَق البَصْرَة، وقَصَدَ السُّلْطان مَحْمُود بن مُحَمَّد بن مَلِكْشاه، فأكْرَمَهُ وأقْطَعَهُ البَصْرَةَ، وأعادَهُ إليها في سَنَة ثَمان عَشرة وخَمْسِمائَة، ثُمَّ تَرَقَّت به الحالُ إلى أنْ مَنَكَ المَوْصِل في سَنَة إحْدَى وعِشْرين وخَمْسمائة.

وكان خُتْلُغ آبَه بحَلَب، وأسَاءَ السِّيْرَة مع أهْلها، فحَصَرُوه، وبالمَدِينَة بَدْر الدَّوْلَة سُليْمان بن عَبْد الجَبَّار بن أُرْتُق، فأجْمَع رَأي خُتْلغُ آبَه وسُليْمان على أنْ سَارَا إلى أتَابِك زَنْكِي ويُحَكِّماهُ فيما يَفْعل، فلَم يُوقِّع لواحدٍ منهما بحَلَب، وتوجَّه إليها فقَدِمَها، وكان له أتْرَابٌ بحَلَب من الحَلَبِيِّيْن، قد تَرَبَّى بينهم، فكانُوا يَمِيلُون إليه لذلك، فسَلَّمُوا إلى نائبه حَلَب في شَهْر رَمَضَان سَنَة إحْدَى وعشْرين وخَمْسِمائَة، وتوجَّه إليها فتَسَلَّمها في سَنَة اثْنَتَيْن وعِشْرين وخَمْسِمائَة في جُمَادَى الآخرة.

وتوجَّه بعد ذلك إلى السُّلْطان مَحْمُود، وعاد في سَنَة ثَلاثٍ وعشرين ومعه تَوْقِيْع مُجَدَّدٌ بوِلَايَة الجَزِيرتَيْن والشَّام وحَلَب والشَّطِّ، ومَلَكَ حِمْصَ، وحَمَاة، وبَعْلَبَك، والرَّقَّة، ودَارَا، وحَرَّان، ورَأس عَيْن. واشْتَغَل بمُحَارَبةِ الفِرِنْج، ففَتَح من أيْدِيهم مَعَرَّة النُّعْمَان، وكَفَرْ طَاب، وبَارِين، والأثَارِب، وزَرَدْنَا، وتَلّ أعْذَى، وبُزَاعَا، وسَرُوْج، والرُّهَا.

وكان له أثر عَظِيم في نُصْرَة الإسْلَام، وكَفِّ عَاديةِ الفِرِنْج، ومَهَّدَ لمَن بعْدَه فَتْح البِلَادِ، بعد أنْ كان الفِرِنْج قد ضَايقوا مَدِينَة حَلَب واسْتَولَوا على حُصُوِنها، وأخَذُوا المُنَاصفَة من المُسْلمين إلى بابها، فأَغاثَهم الله بزَنْكِي وبوَلده من بَعْده.

<<  <  ج: ص:  >  >>