للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَرَأتُ في تاريْخ حَرَّان، تأليف أبي المَحَاسِن بن سَلامَة الحَرَّانيّ، قال: فلمَّا كان في سَنَة أرْبَعيْن وخَمْسِمائَة نَزَل - يعني أتَابِك زَنْكِي - على قَلْعَة جَعْبَر بالمَرْجِ الشَّرْقيّ تحت القَلْعَة يَوْم الثّلاثَاء ثالث ذِي الحِجَّة، فأقام عليها إلى لَيْلَة الأَحَد سَادِس رَبِيع الآخر نصْف اللَّيْل من سَنَة إحْدَى وأرْبعين وخَمْسِمائَة، فقَتَلَهُ يَرَنْقُش الخَادِم؛ كان تهَدَّدَهُ في النَّهَار، فخافَ منه، فقَتَلَهُ في اللَّيْل في فراشِهِ، وجاءَ إلى تحت القَلْعَة فنَادَى أهْلَ القَلْعَة: شِيْلُونيّ، فقد قَتَلْتُ السُّلْطانَ، فقالوا له: إذْهَبْ إلى لَعْنَة اللّه؛ قد قَتَلْتَ المُسْلمِيْن كُلَّهُم بقَتْله!.

وافْتَرَقت العَسَاكِرُ، فأخَذَ أوْلَادُ الدَّايَة نُور الدِّين مَحْمُود المَلِك العادِل ابن عِمَاد الدِّين زَنْكِي وطلبُوا حَلَب والشَّام فمَلَكها (a)، وسَارَ أجْنَادُ المَوْصِل بسَيْف الدِّين غَازِي إلى المَوْصِل وأعْمَالها فمَلَكَها ومَلَكَ الجَزِيْرَة، وبقي عِمَاد الدِّين أتَابِك زَنْكِي وَحْدَهُ، فخَرَج إليهِ أهْلُ الرَّافِقَة فغَسَّلُوه بقِحْفِ جرَّة، ودَفَنُوهُ على باب مَشْهَد الإمَام عليّ عليه السَّلام في جِوَار الشُّهَدَاء من الصَّحَابَة، وبَني بنوه عليه قُبَّةً فهي باقية إلى الآن.

كذا قال أبو المَحَاسِن، وإنَّما دُفِنَ أوَّلًا دَاخِل مَشْهَد عليّ رَضِيَ اللّهُ عنهُ، قريبًا من الباب، ثمّ نُقِلَ من ذلك المَوضِع إلى جوار الشُّهَدَاء لِمَا نَذْكُره بعد هذا، وبَنى عليه وَلده نُور الدِّين مَحْمُود حائطًا يَقْصُر عن القامة، ولَم يُبْن عليه قُبَّة.

أخْبَرَني الأَمِير بَدْرَان ابن جَنَاح الدَّوْلَة حُسَيْن بن مَالِك بن سَالِم بن مَالِك العُقَيْلِيّ، قال: لمَّا طَالَ حِصَار أتَابِك زَنْكِي لعمِّي عليّ بن مَالِك على قَلْعَة (b) جَعْبَر، تقدَّم حَسَّان البَعْلَبَكِّيّ صَاحِب مَنْبِج إلى عمِّيّ، وقال له من تحت القَلْعَة: يا أمير عليّ، أيْشٍ بَقي يُخَلِّصُكَ من أتَابِك؟ فقال له: يا عَاقِل، يُخَلِّصُني الّذي خَلَّصَكَ من جُبِّ خَرْتَبِرْت، فذُبِحَ أتَابِكُ في تلك اللَّيْلة.


(a) في زبدة الحلب ٢: ٤٧٢: فملكوه إياها.
(b) غير واضحة، ويمكن أن تقرأ: قلعته.

<<  <  ج: ص:  >  >>