للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسَيَّرَ عِمَاد الدِّين زَنْكِي وَلده قُطْب الدِّين إلى حَلَب فتَسَلَّمها، ثمّ وَرَد بعده بأهْله وأمْوَاله وزَوْجَته بنت عمِّه نُور الدِّين وأجْنَاده، ووَصَلَ إلى حَلَب على البَرِّيَّة من جِهَة الأحَصِّ، والْتَقاه أكَابِرُ الحَلَبِيِّيْن، وصَعدَ إلى قَلْعَة حَلَب في ثالث عَشر المُحَرَّم من سَنَة ثَمانٍ وسَبْعِين وخَمْسِمائَة، وقيل: في مُسْتَهَلِّه.

ووَصَلَ المَلِك النَّاصر صَلاح الدِّين يُوسُف بن أَيُّوبَ إلى حَلَب، ونَزَل عليها ثلاثة أيَّام، فقال له زَنْكِي: مُرْ إلى سِنْجَار وافْتَحها وادْفَعِها إليَّ وأنا أدْفعَ إليك حَلَب، فرَحَل المَلِك النَّاصر عن حَلَب ومَضَى إلى المَوْصِلِ، ثمّ رَحَلَ عنها إلى سِنْجَار، وفَتَحها في ثَاني عَشر شَعْبان من السَّنَة وعاد عنها، وعَزَم على مُنَازلة حَلَب.

وبَلَغ عِمَاد الدِّين زَنْكِي ذلك فخرَّب عَزَاز وِحِصْن بُزَاعَا وحِصْن بَالِس وحِصْنِ كَفر لَاثَا بعد أخْذه من بكْمش (١)، وأخَذَ رهائن الحلبِيِّيْن خَوْفًا من تَسْليم البَلَد، ونَزَل المَلِكُ النَّاصِر على حَلَب وَقْت الضُّحَى من يَوْم السَّبْت لأرْبَع بَقِينَ من المحرَّم من سَنَة تِسْعٍ وسَبْعِين وخَمْسِمائَة، وأقام عليها شَهْرًا يَجِدُّ في القِتَال، فرَأى عِمَاد الدِّين زَنْكِي أنَّهُ لا طَاقة له به، وأنَّ أخاهُ عِزّ الدِّين قد جَعَلها خاليةً من الأمْوَال والذَّخَائِر، فأحْضَر إليهِ الأَمِير طُمَان، واتَّفَق معه على أنْ يَخْرُج في السِّرِّ ليلًا، ويتحدَّث في تَقْرير الأمْر بينهما على تَسْليم حَلَب وأعْمَالها إلى المَلِك النَّاصِر، وأنْ يُعوِّضَهُ عنها بسِنْجَار ونَصِيبِيْن والخَابُور والرَّقَّة وسَرُوْج، وأنْ تكُون بُصْرَى لطُمَان، ويكُون في خِدْمَةِ زَنْكِي، وكَتَم ذلك عن الحَلَبِيِّيْن والأجْنَاد، وكان يَخْرُج إلى إصْطَبْله ودَاره بالحَاضِر ويُظْهِر أنَّهُ يخرج لحِفْظِ أَخْشَابَه بَهْما، ويَجْتِمع بالسُّلْطان إلى أنْ قرَّر ما قرَّرَهُ، ولَم يَشْعُر أحدٌ من الجانبين إلَّا وأعْلَامُه قد رُفِعت على قَلْعَة حَلَب، واسْتَقَرَّ الأمرُ على إجْرَاء الأُمَرَاء وأعْيَان المَدِينَة على عَادَتهم في مَعَايشهم وأمْلَاكهم.


(١) بكمش بن عين الدَّوْلَة الباروقي. انظر: السلوك للمقريزي ١/ ١: ٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>