للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان الحَلَبِيُّونَ يَجِدُّون في قِتَال عَسْكَر المَلِك، ويَخْرُج منهم في كُلِّ يَوْم عَشرة آلاف مُقَاتِل أو أَكْثَر يَجِدُّون في القِتَال، فخَافُوا على أنْفُسهم لِمَا تكرَّر منهم في قِتَال المَلِك النَّاصِر مَرَّةً بعد أُخرى: في أيَّام المَلِك الصَّالِح إسْمَاعِيْل بن نور الدِّين، وفي أيَّام عِمَاد الدِّين زَنْكِيّ، وصَرَّح العَوَامُّ بسَبِّه، ونَزَل عِمَاد الدِّين زَنْكِي من قَلْعَة حَلَب يَوْم الخَمِيْس ثالث وعشْرِين من صَفَر من سَنَة تِسْعٍ وسَبْعِين وخَمْسِمائَة، ورَتَّب فيها طُمَان إلى أنْ يتَسَلَّم نُوَّاب عِمَاد الدِّين ما اعْتَاض به عن حَلَب واسْتَنابه في بَيْع جميع ما كان في قَلْعَة حَلَب حتَّى باع الأغْلَاقَ والخَوَابِيّ، واشْترَى المَلِك النَّاصِر منها شيئًا كَثِيْرًا، ونَزَل عِمَاد الدِّين في ذلك اليَوْم إلى السُّلْطان المَلِك النَّاصِر، وعَمِلَ المَلِكُ له وَلِيْمَةً واحْتَفَل، وقدَّم لعِمَاد الدِّين أشْيَاء فَاخِرة من الخَيْل والعُدَد والمَتَاع الفَاخِر، وسارَ عِمَاد الدِّين نحو بلاده حتَّى نزَل مَرْج قَرَاحِصَار، وسارَ المَلِكُ النَّاصِر وشَيَّعَهُ ورَجَع.

سَمِعْتُ عمِّي أبا المَعَالِي عبد الصَّمَد بن هِبَةِ اللّه بن أبي جَرَادَة (١)، قال: نَقَلَ عِزُّ الدِّين صَاحِب المَوْصِل من حَلَب، حين مَلَكَها، جميعَ ما في قَلْعَة حَلَب من الذَّخَائِر والسِّلاح والأمْوَال إلى الرَّقَّة، وصَانَع عِمَاد الدِّين على أنْ يأخُذَ منه سِنْجَار وأعْطاهُ حَلَب، فقَدِمَ عِمَاد الدِّين إلى حَلَب مُجِدًّا في السَّير على البَرِّيَّةِ.

قال لي عَمِّي: فخَرَجْتُ أنا ووَالدك والْتَقَيْناهُ، وقد قَدِمَ من نَاحيةِ الأحَصِّ، ودَخَلَ حَلَب، وأقامَ بها فلَم يَجِد في قَلْعتها من الذَّخَائِر والأمْوَال إلَّا القليل، فبَلغَ المَلِك النَّاصِر، فقال: أخَذْنا واللّه حَلَب، وكان لمَّا بَلَغَهُ تَسلُّم عِزّ الدِّين حَلَب قال: خَرَجَت حَلَب من أيْدِينا! فقيل له: كيفَ قُلْتَ في عِزّ الدِّين لمَّا أخَذَها: خَرَجَت حَلَب عن أيْدِينا، وقُلْتَ في عِمَاد الدِّين: أخَذْنا حَلَب؟! فقال: لأنَّ عِزَّ الدِّين مَلِكٌ صَاحِب رجالٍ ومال، وعِمَاد الدِّين لا رجَال ولا مَال.


(١) انظره في تذكرة ابن العديم ١٧٧ - ١٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>