للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاءَ المَلِك النَّاصِر ونازَلَ حَلَب، فقال له عِمَاد الدِّين: امْضِ إلى سِنْجَار وخُذْها وأنا أدْفَع إليك حَلَب وتُعْطِيني سِنْجَارِ، فرَحَلَ عنها المَلِكُ النَّاصِر بعَسَاكِره ونَازَل سِنْجَار وفَتَحَها، وعاد المَلِكُ النَّاصِر، ونَزَلَ على حَلَب وبها الأُمَرَاءُ اليَارُوْقِيَّة في قُوَّتهم وعُدَّتهم، فسَعَى الأَمِير طُمَان بين عِمَاد الدِّين والمَلِك النَّاصِر وصَالحَهُ على أنْ يُعْطِيه سنْجَار ويأخُذ حَلَب، ولَم يَعْلَم أحدٌ من الأُمَرَاءَ وأهْل البَلَد إلَّا وأعْلَام المَلِك النَّاصِر على قَلْعَة حَلَب، فشَقّ عليهم ذلك، وجَرَى على اليَارُوْقِيَّة أمرٌ عَظِيم، وخَافُوا على أخْبَازهم، وكذلك على أهْلِ البَلَدِ؛ لأنَّ المَلِك النَّاصِر كان قد حَاصَرها في أيَّام المَلِك الصَّالِح ورَأى من قِتَالهم ونُصْحهم ما لم يُشَاهده من غيرهم، وصَعدَ الرَّئِيس بحَلَب مُقَدَّم الأَحْدَاث إلى عِمَاد الدِّين ووَبَّخَهُ على ذلك، فقال له وهو في القَلْعَة: لَم نَخْرُج منها بعدُ فما فات شيء، فاسْتَهْزَأ به الرَّئِيس، وجَمَعَ له الحَلَبِيُّيونَ والأجْنَاد إجَّانَات الغَسَّالين إلى تحت القَلْعَة يُشِيْرون بذلك إلى أنَّه يُغْسل فيها كالمَخَانِيْث، وعَمِلَ عَوَام حَلَبَ فيه شِعْرًا مَلْحُونًا من نَظْم العامَّة الجُهَّال، وكانوا يُغَنُّون بها، ويَدُقُّون على طَبْل لهم منها (١):

يا حْبَابْ قَلْبي لا تلُومُوْني … هذا عِمَادُ الدِّين مَجْنُونِ

قايَضْ بسِنْجَارْ لقَلْعَةْ حَلَبْ … وزَادَهُ المَوْلَى نَصِيبِيْن

قال: وضَرَب آخر من العَوَامّ السَّفِلَة على طَبْلِهِ، وقال مُشِيْرًا إلى عِمَاد الدِّين (٢): [من المتقارب]

وبِعْتَ بسِنْجَارْ قَلْعَةْ حَلَبْ … عَدِمْتُكَ من بَايِعٍ مُشْتَري

خَريْتَ على حَلَبٍ خَرْيةً … نسخْتَ بها خَرْيَةَ الأشْعَرِي


(١) البيت الأوّل في زبدة الحلب ٢: ٥٥٥. وانظر مزيدًا من كلام عوامّ حَلَب في حقّ عماد الدين لدى ابن واصل: مفرج الكروب ٢: ١٤٢ - ١٤٣.
(٢) البيتان في زبدة الحلب ٢: ٥٥٥، وتذكرة ابن العديم ١٨٠، وانظر: عقد الجمان للعيني ٢: ١٣ ومرآة الزمان لسبط ابن الجوزي ٢١: ٢٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>