للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَدَّثَني بعضُ شُيُوخِيّ، قال: كان سَبَبُ تَوْبَةِ زَهْرُون الأطْرَابُلُسِيّ أنَّهُ شَقَّ سُوقَ العَطَّارينَ بالقَيْرَوان، فرَأى فيه حَدَثًا جَمِيْلًا، فوقَع في نَفْسِه منهُ شيءٌ، فدَخَل السُّوق فبَاع بدَرَاهِم كَثِيْرة، وكان رَبَّاعًا بباب الغَنَم، يجْلبُ الغَنَم إلى البُلْدَان، فأتَى بالدَّرَاهِم نصْف النَّهَار، وَقْت خلاءِ الأسْوَاق، فالْتَمس هو تلك الخَلْوَة، فأتَي فوَجَد الحَدَثَ جالِسًا وَحْدهُ في الدُّكَّان، فصَبَّ الدَّرَاهِم في حجره، قال: فنَفَضَهَا الحَدَثُ من حَجره إلى الزُّقَاقِ، قال: فأقْبَل زَهْرُون يَجْمَعُها من الأرْض، وهو يَقُول: هذه حيرَةُ الذُّنوب، قال: فأحْدَث تَوْبَةً في الوَقْت، وتَرَكَ الدُّنْيا، وأقْبَل على العِبَادَة والتَّبتُّل.

وحَجَّ حِجَجًا كَثِيْرة، ذَكَرَ عنهُ أبو بَكْر بن سَعْدُوس (a) المُتَعَبِّد، وكان من أصْحَابهِ، أنَّهُ حَجَّ سَبْعًا وعشرين حِجَّة، وكان يأَخُذُ طَريق تَبُوك بلا زادٍ ولا رَاحلةٍ على طَرِيق الفَقْر [والتَّوكُّل] (b)، وهِي طَريْقَةٌ مَعْرُوفة عند أهْل الفَقْر يأخذُها منهم أهل الصِّحَّة والأكَابرِ من الفُقَرَاء، كان بنُو أُمَيَّة يأخذُونها من دِمَشْقَ إلى مدِينَة الرَّسُول صَلَّى اللّهُ عليه وسلَّم، عَفَتْ آثارُها، وخَرِبت دِيَارُها، وغَارَت ميَاهُها.

قال (c): وقال أبو بَكْر بن سَعْدُوس: قُلْتُ لزَهْرُون: أخْبرني بأعْجَب شيءٍ رَأيته بجَبَل اللُّكَام؟ قال: بينا أنا أمْشِي فيه إذ أصَابني العَطَشُ فإذا مَجَرُّ (d) حَيَّةٍ، فرَأَيْتُ شَيئًا هَالَنِيّ، فقسْتُ في عَرْضه ستّة أشْبَارٍ، فقُلْتُ: هذه حَيَّةٌ وَارِدةٌ الماء فتَبعْتُ الأثَر إلى هَبْطٍ من الأرْض، فإذا بماءٍ في فوَّاره عليهِ تلك الحيَّةُ برأسٍ كرَأس البَقَرة وقَرْنان كقَرْنيها وعَيْنان كعَيْنَيها، فأفْزَعَني ذلك، فقُلْتُ لنَفْسِي: أينَ


(a) كذا في الأصل وق حيثما يرد تاليًا، وفي كتاب رياض النفوس ونفح الطيب للمقري ٢: ١٣٩: سعدون، واسمه: مُحَمَّد بن سعدون الجزيري التميمي أبو بَكْر، وتوفي سنة ٣٤٤ هـ.
(b) من ق، ومطموسة في الأصل، وفي رياض النفوس: على طريق الوحدة.
(c) لم يرد في كتاب رياض النفوس.
(d) في الأصل: محَرّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>