للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فهذه الثّلاثةُ التي تَغِيضُ في الأرْض ما هي؟ قال: أحَدُها الفُرَاتُ، والآخرُ دِجْلَةُ، والآخر جَيْحَانُ، فارْجع.

فرَجَع حتَّى انتهَى إلى الدَّابَّة، فركبَهَا، فلمَّا أهْوَت الشَّمْسُ لتغرُبَ، قَذفَتْ به في جانب البَحْر، فأقْبَل حتَّى انْتَهى إلى عِمْران، فوجدَهُ ميِّتًا حينَ ماتَ، فدفنَهُ، وأقامَ على قَبْره ثلاثًا.

فأقْبل شَيْخٌ مُتَشبِّهٌ بالنَّاس، أغَرّ من السُّجُود، ثمّ أقبل إلى حَائِذ فسلَّم عليهِ، فقال لَهُ: يا حَائِذُ؛ ما انتهى إليك من علْم هذا النِّيْل؟ فأخْبره. قال الرَّجُل له: هكذا نَجدُه في الكُتُب، ثمّ طَرَّى ذلك التُّفَّاحَ في عَيْنَيهِ، فقال: ألَا تأكل منه؟ قال: معي رِزْقٌ قد أُعْطِيتُهُ من الجَنَّة، ونُهيْتُ أنْ أُوْثر عليهِ شيئًا من الدُّنْيا، قال: صدَقْتَ يا حَائِذ، و [لا] (a) ينبغي لشيءٍ من الجَنَّة [أنْ] (b) يُؤثَر بشيءٍ من الدُّنْيا، وهل رأيتَ في الدُّنْيا مثل هذا التُّفَّاح؟ إنَّما أنبت في الأرْض ليست من الدُّنْيا، وإنَّما هي شَجرةُ من الجَنَّة، أخْرجها اللهُ لعِمْران يأكل منها، وما تركها إلَّا لك، ولَوْ وَلَّيْتَ عنها لَرُفعَت، فلم يَزَل يُطْرِيها في عَيْنِه حتَّى أخَذَ منها تُفَّاحَةً، فلمَّا عضَّها عضَّ على يدَيهِ، ثمّ قال: أتَعْرفُهُ؟ هو الّذي أخْرجَ أباك من الجَنَّةِ، أما إنَّك لو سَلمتَ بما مَعَكَ لأكَلَ منها أهلُ الدُّنْيا قبل أنْ يَنْفَدَ، وأقبل حَائِذ حتَّى دَخَل مِصْر، فأخْبَرهُم بهذا، ومَات بأرض مِصْر رَحِمَهُ الله.


(a) زيادة ليستقيم الكلام، وفي حسن المحاضرة: هل ينبغي.
(b) زيادة من حسن المحاضرة للسيوطي.

<<  <  ج: ص:  >  >>