قال: ومخرَجُ البَرَدَان - نَهْر طَرَسُوس - من طَرف بلاد الرُّوم عليّ دَعَوَة من طَرَسُوس، ثمّ يصُبُّ في البَحْر الشَّاميّ عليّ خمسة أميال من طَرَسُوس، وهو شَدِيدُ البُرُودةِ في الصَّيْف، فاتِرٌ في الشِّتاءِ.
وقد ذكَرتُ في باب الفُرَاتُ، أنَّه وقعَ إليَّ رسالة في ذِكْر الدُّنْيا وما فيها من الأقالِيمْ والجِبَال والأَنْهار، وقال فيها: والمَشْهُور من هذه الأَنْهار الكِبَار اثنا عَشَر نَهْرًا، وهي: الدِّجْلة، والفُرَات، والنِّيْلُ، وجَيْحُون، ونَهْر الشَّاش، وسَيْحَان، وجَيْحاَن، ونَهْرُ بَرَدَان، ومِهْرَان، ونَهْرُ الرَّسّ، ونَهْرُ المُلْك، ونَهْرُ الأهْوَاز. وجميعُ هذه الأَنْهار تَجْري فيها السُّفُن.
قال: وأمَّا سَيْحَانُ وجَيْحاَن وبَرَدَان، فإنَّهُن أنْهار طَرَسُوس وأَذَنَة والمِصِّيْصَة، تخرجُ من بلدِ الرُّوم، ثمّ تَغِيْضُ في البَحْر، وكذلك سائرُ أنْهار الشَّام جميعها إلَّا بَرَدَي والأُرْدُنّ.
وهذا غيرُ مُسَلَّم لصاحب الرِّسَالَة، فإنَّ في أنْهار الشَّام عدَّة أنْهر تَصُبّ في الفُرَاتُ، مثل نَهْر السَّاجُور والنَّهْر الأزْرَق وغيرهما من الأنْهَر الّتي ذكَرنا أنَّها تَغيْض في الفُرَاتُ وغيرها، فإنْ اعْتَذرَ له مُعْتذرٌ وقال: إنَّه أراد أَنْهار الشَّام الكبيرة مثل سَيْحَانُ وجَيْحاَن وبَرَدَان، فقول: اسْتثناؤُه بَرَدَى أوْجَبَ مُؤاخَذتَهُ، فإنَّ نَهْر السَّاجُور والنَّهْر الأزْرَق لا يقصِران عن بَرَدَي في الكبر، فدلَّ عليّ أنَّه أرادَ جميع الأَنْهار التي بالشَّامِ.
وأمَّا نَهْر العَاصِي، فيُقالُ لهُ: الأُرُنْدُ والأُرُنْط، ويُقالُ له: العَاصِي والمَقْلُوب، لأنَّهُ يخالفُ أنْهار الدُّنْيا كُلّها؛ لأنَّهُ يَجْريِ من الجَنُوب إلى الشَّمَال، بخلاف سَائر الأنهرُ، ومَخرجُه من أرض بَعْلَبَك من مَوضِعٍ يُقالُ لهُ اللّبْوَة، يَخْرج من عَيْنٍ