للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُسَرُّ بهِ ويُسَرُّ بهِ صَدِيْقُكَ؟ قال: قُلتُ: بَلَى، قال: غَزَوتُ الإسْكَنْدَرِيَّة فأصَابَتْني فيها شَكَاةٌ (a)، فأخَذْتُ قِرْطاسًا ودوَاةً لأنْ أكْتُبَ وَصِيَّتي، فوَجَدْتُ في يَدِي وصَبًا شَدِيْدًا، فقُلْتُ: لو أنِّي اسْتَرحْتُ قَليلًا، قال: فَجَعَلْتُ القِرْطاسَ تحتَ رَأسي والدَّوَاة تحت رِجْلي، ثمّ نمْتُ، فرأيْتُ في مَنَامي كأنَّ معي في البيت رَجُلًا مُبيَّضًا، فقُلتُ لَهُ: مَنْ أنْتَ يَرحَمُكَ اللّه: قال: أنا مَلَك المَوْت، قال: فذَكَرتُ الجنَّة والنَّار وما أعدَّ اللّهُ فيها، فأدْرَكَتْني رقَّة فبَكَيْتُ، فقال: ما يُبْكيْك يا عَبْد اللّه؟ إنِّي لَم أُوْمَر بقَبْض رُوحِكَ، فقُلتُ: أي رَحِمكَ اللّهُ، إنِّي ذكَرْتُ الجَنَّةَ والنَّار وما أعدَّ اللّه فيها، فأدْرَكَتْني رقَّة، فبَكَيْتُ، فقال لي: أفلا أكْتُب لك براءةً من النَّارِ؟ فقُلتُ: بَلَى، قال: فدَفَعْتُ إليه القِرْطاس من تحت رَأسي والدَّوَاةَ من تحت رِجْلى، واسْتَمدَّ وكَتَبَ حتَّى مَلأ القِرْطاس، ثمَّ دَفَعَهُ إليَّ فإذا فيه مَكْتُوبُ: بِسْمٍ اللّه الرَّحْمن الرَّحِم، اسْتَغْفِرُ اللّه، اسْتَغْفِرُ اللّه، حتَّى مَلأ القِرْطاس. فقُلتُ: أي رحِمكَ اللّهُ، أين بَرَاءتي (b) من النَّارِ؟ قال: فقال لي: فأيّ برَاءة تُريد أوْثَق من بَرَاءتك هذه؟ ثُمَّ اسْتَيْقَظتُ من نَوْمي فعَمَدتُ إلى القِرْطاسِ الّذي جَعَلْتُه تحتَ رَأسِي في اليَقَظَة، فنَظَرتُ فيه، فإذا فيه كتابُ مَلَك المَوْت عليه السَّلام الّذي رَأيْتُ في المَنَام، فإذا فيه: بِسْمِ اللّه الرَّحْمن الرَّحِيْم، اسْتَغْفِرُ اللّه، اسْتَغْفِرُ اللّه، حتَّى مَلأ القِرْطاس.

قال الحافِظُ أبو القَاسِم (١): وقد رُويَت من وَجْهٍ آخر عن زَيْد بن أسْلَم، عن أَبيِهِ، وهي عن زَيْدٍ أصَحَّ.

وقال: أخْبَرَنا الحافِظ (٢)، قال: حَدَّثَنَا أبو القاسِم إسْمَاعِيْل بن مُحَمَّد بن الفَضْل إمْلاءً، قالْ أخْبَرَنا عُمَر بن أحْمَد الفَقِيه، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن أبي عليّ،


(a) ابن عساكر: شكاة شديدة.
(b) الأصل، ق: تراني، والمثبت من ابن عساكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>