سِمَعَ من هؤلاء كُلّهم ببَغْدَاد ما خَلَا الحافِظ أبا العَلَاء فإنَّهُ سَمِعَهُ بهَمَذَان، وكان رحَلَ إليها وتَفَقَّهَ بها على مَذْهَب الإمَام أبي حَنِيْفَة رَضِيَ اللهُ عنهُ على سَعْد الرَّازِيّ رَحِمَهُ اللهُ.
وسَمعَ بدِمَشْق من الخَطِيب أبي الحُسَين عبد الرَّحْمنِ بن عَبْد الله بن الحَسَن بن أبي الحَدِيْد، وأبي العبَّاس أحْمَد بن عَبْد الله بن مرْزُوق الأصْبَهَانِيّ. واجْتَمَع بمِصْر مع أَبي مُحَمَّد عَبْد الله بن بَرِّي، وتَكَلَّم معه، وأعْجَبَهُ كَلَام ابن بَرِّي، واعْتَرف بعِلْمه.
وكان شَيْخه أبو مُحَمَّد قد رَبَّاهُ تَرْبية الأوْلَاد، وكان يُكْرمُهُ، ونَفَعَهُ الله ببَرَكته، ووَهَب له كَثِيْرًا من كُتُبه الّتي قَرأها عليه، وتفرَّد برِوَايَة كُتُب كَثِيْرهَ.
ورَحَل إليه النَّاسُ من البِلادِ لقراءة القُرآن واللُّغَة والنَّحو والحَدِيْث والأشْعَار، وقرِأ عليه المَلِك المُعَظَّم عِيسىَ ابن المَلِك العادِل أبي بَكْر بن أَيُّوب، وانْتَفَع بهِ، ومَهَر في النَّحو، وكان يَنْزل مَاشِيًا إليه من قَلْعَة دِمَشْق إلى دَاره، وقرأ عليه جَمَاعَة من الشُّيُوخ العُلَمَاءَ.
وكان قَدِمَ حلَبَ وسَكَنَها مُدَّةً، واتَّصَل بها بالأَمِير حَسَن ابن الدَّايَة، ثمّ سَافَر عن حَلَب إلى دِمَشْق، وخَدَم بها عِزّ الدِّين فَرُّخْشَاه بن شَاهَنْشَاه (a) بن أَيُّوب بن شَاذِي، فنَفَق عليه واسْتَوْزَرَهُ، وكان يُقَارضُه بالشِّعْر، ثمّ اتَّصَل بأخيه تَقِيّ الدِّين عُمَر بن شَاهَنْشَاه بعدَ مَوته بالدِّيَار المِصْرِيَّة، ثمّ عاد إلى دِمَشْق، فأقام بها، واتَّخَذَ بها دَارًا وبُسْتَانًا وملكًا يَعُود عليه نفعُه.
وكان حَسَن الأخْلَاق، جَمِيل الصُّورَة، تَامّ الخَلْق والخُلق. وكان يَكْتُب خَطًّا حَسَنًا.